10 نوفمبر 2025

تسجيل

برازيل الشعر

13 يوليو 2013

في الحلقة الأخيرة من مسابقة أمير الشعراء قرأ المذيع بعض الرسائل القصيرة المباشرة عبر مواقع التواصل، ومنها رسالة من موريتانيا تعاضد الشاعر الموريتاني الذي حقق المركز الثالث في النسخة الخامسة وتصف الرسالة شعراء موريتانيا أنهم: "برازيل الشعر". يحيل التوصيف على مقارنة شائقة بين البرازيل وموريتانيا والشعر، فالبرازيل ومنذ نصف قرن تقريباً وفوزها بكأس العالم للكرة برقم قياسي بلغ خمس مرّات، وصارت كرة القدم هي الأيقونة الأكثر لصوقاً بالدولة الأبرز في أمريكا اللاتينية، البلد ذات التعدد العرقي والإمكانات الهائلة، والمزيج البشري العجيب، الذي كوّن شخصية لاتينية قاربتها رواية أمريكا اللاتينية فيما يسمّى: "الواقعية السحرية"، كما قاربها الشاعر المكسيكي أوكتافيو باز في كتابه: "متاهة الوحدة"، ومقارنته الشخصية اللاتينية التواقة إلى الحياة والمتعة بالشخصية الأنكلوساكسونية المغرقة في الجدّ. يمكن القول إن كرة القدم كطريقة لعب عبَّرت عن الشخصية اللاتينية، ففي الخمسين سنة الأخيرة أمتعت فرق أمريكا اللاتينية مشاهديها بلعب من أجل اللعب، خصوصا البرازيل التي ملأت مشهديات كأس العالم باللعب الممتع الذي وصل إلى حدّ الروعة، وكان أثر أدائهم في المشاهدين كأثر الشعر وهو يفعل فعله في السامعين، فقد كانت البرازيل في معظم مبارياتها ترسم قصائد بصريّة على مساحات خضراء مؤطّرة بمدرجات تعجّ بــ"الغاوين" الذين يؤدون دوراً كرنفالياً كشروح على النص البصري الدينامي، وكانت استعارة الشعر لأدائهم موفقة، فقد بات من يمتع في الكرة ينسب إلى البرازيل، فيقال هؤلاء برازيل أوروبا، وهؤلاء برازيل آسيا.. الخ. في حين يمثل اهتمام الناس لا بالشعر في موريتانيا ظاهرة لافتة، فهم بلد المليون شاعر، نسبة إلى عدد السكان المليون عند إطلاق التسمية، بمعنى أنه ما من موريتاني إلاّ ويقرض الشعر، كما أنه ما من برازيلي إلا ويلعب الكرة، ومن يقرأ الواقع الموريتاني (شنقيط) كبلد صحراوي، يمثّل الزاد الروحي والمعرفي لبلدان الجنوب الغربي الصحراء الكبرى غير العربية، وفي واقع بيئي واقتصادي خصوصا عند وادي صنهاجة (السنغال) يذكرنا بأودية العرب التي تسيل على ضفتيها حياة مليئة بأسباب الرحيل والشعر. وإن كان الشعر العربي قد ضرب كثيراً في متاهات الحداثة فإنه في موريتانيا ظلّ متمسّكاً بلبناته الأولى، ومع تنامي التجارب الجديدة، وصلتنا في المشرق أصوات كثيرة، ربما يعرفها الكثير منا في الدوحة كتجربة سيدي محمد ولد بمبا ومحمد ولد الطالب وأدي ولد آدب. وقد رأينا غيرهم في برنامج أمير الشعراء الذي استقطب كثيراً من التجارب المهمة في الوطن العربي. يستحق الموريتانيون وصف "بلد المليون شاعر" وإن زاد عدد سكانها إلى قرابة أربعة ملايين، ويستحقون "لقب برازيل الشعر" فتلك الاستعارة في الأساس منحها الشعر للبرازيل، ولا ضير أن تسترد على أيدي الموريتانيين.