12 نوفمبر 2025
تسجيلالفلسطينيون لا يحضرون لحرب وإنما لخطوة في اتجاه "خيارهم الاستراتيجي" من المفارقات المستهجنة لدى باراك أوباما أنه قال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2010 إن الدولة الفلسطينية ستكون حاضرة هنا السنة المقبلة، أي في 2011 كان آنذاك متشجعا بالمفاوضات التي تمكن من إعادة إحيائها في احتفال في البيت الأبيض، لكنها كانت محكومة بقدرة رئيس الوزراء الإسرائيلي على مواصلة "تجميد" الأنشطة الاستيطانية، وكان الرئيس الأمريكي ولا يزال يعارض – مبدئيا ونظريا – وقف الاستيطان بل إن إدارته أشارت مرارا إلى أنه عمل "غير شرعي" ورغم ذلك اختارت واشنطن أن تقف إلى جانب بنيامين نتنياهو الذي يريد التفاوض مترافقا مع الاستيطان، ما يعني عمليا مواصلة سرقة الأراضي والتفاوض على رد هذه الأرض إلى أصحابها. الآن، وقبل مضي السنة، ولأن الفلسطينيين يريدون مطالبة الجمعية العامة بالاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967 فإن أوباما يلح عليه بتجنب ذلك، رغم أنه في خطابه الشرق أوسطي الأخير أقر بدولة في حدود 1967 وأزعج الإسرائيليين وأعضاء الكونجرس الذين وقفوا مصفقين لنتنياهو حين أعلن رفضه لهذه الحدود، ولم يعد معلوما ما الذي يريده أوباما فعلا، أما ما الذي يستطيعه فلم يعد يثير أي أوهام، وما الفائدة من مواقف لفظية مصاغة لإرضاء جميع الأطراف، لكنها لا تقترن بمبادرات. قيل إن أوباما اقتنع حتى قبل أن ينتخب رئيسا بأن عقدة العقد في المفاوضات الفلسطينية –الإسرائيلية هي الحدود، وأن الاستيطان يعني التلاعب المستمر بهذه الحدود بذريعة أن إسرائيل تريد حدودا تستطيع "الدفاع عنها"، وقيل للفلسطينيين أن عليهم دعم أوباما وتسهيل مهمته: أولا لأنه تبنى لهجة وموقفا لم يسبق لأي رئيس أمريكي أن اتبعهما حيال إسرائيل، وبالأخص في موضوع الاستيطان كما أنه رفض ضغوط "اللوبي الصهيوني" ليعيد التزام ما التزمه جورج بوش لآرييل شارون في أبريل 2004، بالنسبة إلى المستوطنات والحدود.. وثانيا لأنه ينوي الضغط على إسرائيل لكنه لا يستطيع أن يمارس أي ضغط إذا لم تكن هناك مفاوضات جارية بين الجانبين. واقع الأمر أن الفلسطينيين كانوا مستعدين للمضي في دعم أوباما لولا أنهم لمسوا بوضوح أن تصميمه المعلن بالنسبة إلى الاستيطان لا يرقى إلى سياسة تريد الولايات المتحدة تطبيقها، كما أن توتر العلاقات بينه وبين نتنياهو لم يحرم الأخير من نيل الكثير مما طلبه من مساعدات عسكرية فاقت ما قدمه رؤساء أمريكيون سابقون إلى إسرائيل. أكثر من ذلك، كان الفشل في إقناع الإسرائيلي يرتد على الدوام ضغوطا على الفلسطينيين لمزيد من التنازلات. ما الذي تعنيه دعوة أوباما الفلسطينيين إلى تجنب طلب تصويت الجمعية العامة على "الدولة"؟ إنها تعني أن الرئيس الأمريكي غير القادر على تحريك ملف المفاوضات يطالب الفلسطينيين بالركون للتجميد الذي فرضه نتنياهو عبر تنشيط الاستيطان. لا يمكن لهذا أن يكون سياسة لدولة عظمى معنية مباشرة، ومتورطة جدا، ومسؤولة قانونيا، في هذا الملف، إما أن يكون هناك توافق على "تجميد" تلتزمه الأطراف جميعا، ويكون هدفه التحضير لإطلاق المفاوضات، أو يترك لكل طرف تحريك الملف وفقا لما يحقق له مصلحة ما. وما فعله الفلسطينيون أنهم بذلوا جهدا خلال العامين المنصرمين لتأمين "جهوزية" بحد أقصى لإعلان "الدولة" في سبتمبر 2011، وقد توصلوا إلى هذا الهدف بشهادة المؤسسات الدولية، ومنها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وفي أي حال كانت هذه الجهوزية من المطالب الأمريكية والأوروبية، باعتبار أن إسرائيل كانت تستخدم خلل الوضع الإداري للسلطة الفلسطينية للقول بأنه لا يصلح لأن يتحول إلى "دولة". لاشك في أن التصويت على "الدولة" في سبتمبر لا يكفي، إلا أنه سيشكل ضغطا معنويا لن تستطيع إدارة أوباما تبرير رفضها لها، كما أنه سيزيد من عزلة تستشعرها إسرائيل وتتحدث عنها كل يوم. ومنذ الآن يبدو هذا التصويت كأنه سيقسم العالم بين دول العالم الغربي المناصرة تقليديا لإسرائيل، وبقية دول العالم، هناك دول غربية عديدة لا ترى في هذا الانقسام مصلحة على المدى الطويل، بل هناك دول تعتبر أنه لا مبرر للتصويب ضد الدولة طالما أن الأمر لن يحسم إلا في مجلس الأمن. لكن إسرائيل ترى أن الأمر يتعلق بمنازلة يجب أن تبذل فيها كل ما لديها من نفوذ لخفض عدد الدول المؤيدة. لا تزال واشنطن تراهن على إقناع الفلسطينيين، بالعدول عن هذه الخطوة، لكنها لا تملك خطة بديلة لإنصافهم.. ويبدو أنها حثت ألمانيا على القيام بمحاولة أولى، لكن ألمانيا أنجيلا ميركل ووزير خارجيتها لا يمكنهما الاعتماد على ليكوديتهما المكشوفة وإنما سيسعيان للتلويح بمزيد من المساعدات أو بحجب ما تقدمه ألمانيا حاليا للمؤسسات الفلسطينية، ليس مستبعدا أن تتبع دول أوروبية أخرى ألمانيا في مسعاها، لكن إذا اقتصر الأمر على التهديد بتقليص المساعدات من دون أن يكون هناك بديل سياسي للجمود الراهن، فإنه لن يفلح في تغيير الموقف الفلسطيني. هنا يفترض أن يتضح الدعم العربي أكثر فأكثر، فالفلسطينيون لا يحضرون لحرب وإنما لخطوة في الاتجاه الذي اختاره العرب عندما اعتبروا السلام "خيارهم الاستراتيجي" والمسألة لم تطرح لمجرد وضع الولايات المتحدة أمام تحد أو إحراج متعمد، وإنما لأن العرب استجابوا أساسا لـ"عملية سلام"، طرحتها أمريكا ثم تركت إسرائيل تتلاعب بها، وأخيراً فما دامت واشنطن عاجزة عن إقناع حليفها الإسرائيلي أو الضغط عليه فالأولى أن تتيح للآخرين تحريك الملف لإشعار إسرائيل بأن سياستها مرفوضة وأنها لا تستطيع على الدوام فرض الأمر الواقع في الشرق الأوسط.