04 نوفمبر 2025

تسجيل

الذهب والتحوط من آثار التضخم

13 مايو 2024

فتن الذهب البشرية لعدة قرون، حيث إنه مصدر للجمال ويُستخدم للزينة، كما يُعتبر من أقدم العملات في العالم. وعندما التقى الغزاة الأسبان بزعماء الأزتيك والإنكا في القرن السادس عشر، كانت إحدى النقاط المشتركة هي التبجيل المشترك لهذا المعدن النفيس، الذي يحتفظ بتأثير غامض على خيال عدد كبير من الناس. وتمتلك البنوك المركزية ودائع من الذهب، وكانت هناك محاولات لربط العملات الورقية بمعيار الذهب خلال القرن الماضي. وبالنسبة للمستثمرين، يُعدُ الذهب من الأصول الآمنة والمتحفظة للغاية، رغم أنه ليس له عائد على سعر الفائدة خلافًا للسندات. وعلى النقيض من الأسهم، لا يؤدي الاستثمار في الذهب الى استلام أرباح. ولكن الأمر قد ينتهي بالعملة الورقية والشركة المدرجة في البورصة أحيانًا إلى أن تكون بلا أي قيمة. ولهذا السبب، ليس من المستغرب ارتفاع الطلب على الذهب في عصر الصراع والتنافس بين القوى العظمى، وبالتالي ارتفاع سعره من أقل من 2000 دولار للأونصة خلال عام 2023 إلى حوالي 2300 دولارهذا الشهر. ويُنظر إلى مشتريات الذهب في كثير من الأحيان على أنها وسيلة للتحوط في مواجهة التضخم، لكن الأسعار كانت منخفضة خلال فترة ارتفاع التضخم في عام 2022 ولم تبدأ في الارتفاع إلا هذا العام بعد انخفاض التضخم. ولا يوجد ارتباط بين سعر الذهب ومشتريات الذهب من خلال الصناديق المتداولة في البورصة، وهو الطريق المعتاد الذي يشتري من خلاله المواطنون وبعض المستثمرين المؤسسيين الذهب عبر حسابات الوساطة. وقد حدد تحليل نشرته مجلة الإيكونوميست ثلاث فئات من المشترين يقفون وراء ارتفاع الأسعار هذا العام وهي: البنوك المركزية، والمؤسسات الكبرى مثل صناديق الاستثمار المشتركة، والمواطنون العاديون، بمن في ذلك المواطنون الأمريكيون. ويبدو أن الدافع وراء ذلك هو التحوط من عودة التضخم والاضطرابات الكبرى في المستقبل، وهو ما يُعدُ تحوطًا طويل الأجل، ويفسر سبب عدم ارتفاع سعر الذهب بالتزامن مع اتجاهات التضخم قصيرة المدى. وكان البنك المركزي الصيني قد رفع حصته من الاحتياطيات المحتفظ بها من الذهب من 3.3 % في نهاية عام 2021 إلى 4.3 %.. وكان الدافع الإضافي المحتمل الذي دعا الصين إلى القيام بذلك هو الحذر من العقوبات المحتمل فرضها على بنوكها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، مثل تلك التي فرضت على روسيا بعد الغزو الأوكراني في عام 2022. كما عزز مصرف قطر المركزي احتياطياته من الذهب، حيث ارتفعت قيمة هذه الاحتياطيات بمقدار ثلاثة أضعاف منذ عام 2019، من 7.5 مليار ريال قطري إلى أكثر من 24 مليار ريال قطري بحلول عام 2023. وخلال الفترة بين عامي 2000 و2023، بلغ متوسط احتياطيات قطر من الذهب 21.35 طن؛ وبحلول الربع الأخير من عام 2023 وصلت إلى 100.95 طن. والأمر المثير للدهشة هو ارتفاع مشتريات المستهلكين للذهب بطريقة التجزئة في الدول المتقدمة. وحتى وقت قريب، كانت مثل هذه المشتريات تتم في الاقتصادات الناشئة التي شهدت انخفاضًا في قيمة العملات. وتشير تقديرات بنك ويلز فارجو إلى أن المواطنين الأمريكيين يشترون سبائك ذهبية بقيمة تتراوح بين 100 مليون و200 مليون دولار كل شهر من شركة كوستكو، وهو أمر مهم للغاية؛ حيث إنه يُعدُ علامة على تراجع ثقة العديد من المواطنين الأمريكيين في عملتهم ومؤسساتهم. وتتشاطر مؤسسات الدولة التي تشتري الذهب وجهة نظر مشتركة؛ وهي التشاؤم طويل الأمد بشأن الاقتصاد العالمي بوجه عام، والعملة الأمريكية بشكل خاص. فمنذ أن أنهى الرئيس نيكسون الارتباط بين الدولار واحتياطيات الذهب في عام 1971، وضع العالم الاقتصادي ثقته في قدرة السلطات الأمريكية على الحفاظ على العملة الصعبة، وهي الثقة التي يبدو أنها بدأت تضعف. ولا يسير الدين والعجز في الولايات المتحدة على وتيرة واحدة. وتشير توقعات مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من المتوقع أن تكسر علامة 100 % في غضون عام أو نحو ذلك، وقد تصل إلى 172 % بحلول عام 2054. ومن المرجح أن يضطر الاحتياطي الفيدرالي في نهاية المطاف إلى خفض أسعار الفائدة والسماح بالتضخم. وبمجرد حدوث ذلك، يصبح من غير الممكن التنبؤ بالآليات المحتملة. ويمثل التضخم المفرط في العملة الاحتياطية الأساسية في العالم مشكلة حساسة وغير مأمونة العواقب.