09 نوفمبر 2025

تسجيل

هم نبت الحرب

13 أبريل 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قاوم الحوثيون طويلا كل محاولات إدماجهم في الحياة السياسية. واستعصوا على التحول إلى كيان قابل للعيش والتعايش تحت سقف المشروعية؟ وحين وجدوا أنفسهم منجرفين بتيار الثورة الشبابية الشعبية السلمية ٢٠١١م حضروا الساحات بمزاج متفجر محارب للجميع، فرضت الثورة عليهم الالتقاء بمن يكرهون، ووقفوا أمام تحديين: إما تصفية ثاراتهم على حساب الثورة..أو ترك الثورة تصفي حسابات اليمنيين كلهم مع بيئة القهر والفساد والتخلف.كانت استجابة الحوثيين تجعلهم يبدون كما لو أنهم في مهمة البحث عن عدو يعوض خساراتهم لدورات الحروب السابقة. ومازلت أقول: لا يريد الحوثيون أن يقال إنهم خسروا أعداءهم في هذه الثورة! ولا يريدون أن يقال إن السلمية أضافت إلى خسرانهم سلبهم سطوة المحارب المتمنع بقوة السلاح، وإنهم باتوا يعيشون أزمة وجود وضياع هوية، وإنهم يتخبطون بحثًا عن ذاتهم المضاعة في ميداني الفعل الثوري والسياسي، وهما ميدانان غريبان عنهم، لم يختبرا من قبلهما بعد ولم يتدربوا على إحراز سبق فيهما، لهذا يذهبون بعيدًا للإعلان عن أنفسهم بيأس بالطريقة العنيفة التي يحسنونها. إن أسوأ ما يمكن أن يقال عن حماستهم للقتال، وبحثهم الأعمى عن الاعتراك والاشتباك مع هذا أو ذاك، ممن تتوافر فيه بعض موجبات الخصومة: أنهم نبت الحرب، وأنها لم تعد وسيلة دفاع بالنسبة لهم، بل صارت حياة، ومشروع بقاء، وأنهم خاضوا صراعًا مديدًا ثم تركوه يقودهم، وأنهم قد أسسوا وجودهم على الحرب حتى غدوا أُسارى لها، بل أكبر ضحاياها على الإطلاق، وأنهم ما عادوا يستطيعون العيش من دونها، إذ هي التي سوقتهم وعرفت بهم وأعلنت عنهم، حتى اختفت قضيتهم تمامًا، وصارت الحرب هي القضية. لهذا يبدون مفتعلي حروب، لا يتخيلون بقاءهم دون معركة.. إن أفدح ما ساق إليه هذا المسار أن وصل اليأس بهذا الباحث عن معركته، لأن يخوض معارك الآخرين بما في ذلك معارك عدوه بالأمس. وما زالت الإسئلة: أي اعتراف يطلبه الحوثيون؟ وعلى أي أساس؟ وممن بالضبط؟ أيريدونه اعترافًا على قاعدة المواطنة المتساوية؟ أم على عصبية استعلائية أو جهوية ومناطقية؟ أم على ما هم عليه من القوة والقدرة على إثارة المشاكل وصنع الأزمات؟ أم لأنهم مظلومون ويستحقون أن يدفع لهم الجميع الثمن الذي يقررونه ويقدرونه؟ ثم ممن يريدون هذا كله؟ من الدولة؟ أم من الباحثين عنها؟ هكذا رسم الحوثيون حضورهم كتهديد دائم للمشروع الوطني، وكحركة دينية عصبوية، تتكئ على عقيدة قتالية، تعتمد العنف خيار وجود.لم تفلح كل الخطابات التجميلية في إعطائهم شكلا إنسانيا مقبولا على الإطلاق ومازلنا نتحدث باستهجان عن تلك المحاولات التسويقية الإكراهيةً لهم كحملة قضية وطنية صار الحديث عن مشروع للحوثي غمغمة مبهمة سيما بعد فرضهم ما سمي باتفاق السلم والشراكة بعيد دخولهم صنعاء حيث انتفت الحربة في القبول والرفض. وبالتالي ظل البعض يأخذ هذا المنحى التصالحي التبريري القافز من إشكالية اللامشروعية إلى المشروع نحن إزاء وضع ميليشياوي قهري لا يملك سوى السلاح وبواعث الثأر والانتقام وسلوك المقامر الفراغ الهائل الذي سهل للحالة الحوثية الظهور بهذا الصلف لا يكفي مبررا للقول بأن القوة المكتسحة حاملة مشروع بالضرورة وأن مصدر قوتها يكمن في تغطية تلك الفراغات التي تركتها الدولة الرخوة والنخب المتآكلة.أقف متحيرا إزاء المسارعة في تأطير هذا الواقع الميليشياوي الفظ ضمن الخيارات الوطنية القابلة للاعتراف.نحن بهذا نؤسس لمرحلة جديدة من التيه والتخبط والرضوخ لخيارات إكراهية منحناها القبول السهل فقط لأننا حسمنا عجزنا عن الرفض والمقاومة. هذا مأزق اليمن منذ زمن بعيد. لا ستطيع تجاوز صعوبة بل استحالة تعريف الحوثية كحالة وطنية أو تيار سياسي أو مشروع تغيير وبناء.ثمة نزوع مرضي لدى البعض باتجاه التسليم، استعداد للمواءمة لا المقاومة، قابلية لحني الجباه لا المجابهة، جاهزية للتشيؤ والانتقال إلى حيث ينتفي معنى الوجود. الحوثيون حالة شائهة محاولات تجميلها قسرا ستجعلنا أسارى القبح والدمامة ربما لزمن مديد. يفجعني السياسي والقائد الحزبي عندما يطلع الآن مناديا للسلم والشراكة تاركا للناس مهمة تدبر سد فجوات الوعي والضمير وردم الحفر داخلهم والتخلص من غضاريفهم كي يقفزوا بمرونة فائقة من النقيض إلى النقيض.السلام والشراكة ضمن هذه المواضعات صيغة مقصوفة مرهونة بالمزاج المدجج. أنا أدعو للتوقف أمام هذه الورطة التي يراد منا قبولها كرها لإرسال بقايانا إلى الجحيم. الحوثيون متخففون لا يتصرفون كحالة مدنية ولا يعملون ككيان سياسي تحكمه التقاليد والمواضعات المقررة. لا يرون أنفسهم ملزمين بشيء تجاه أحد، في وسعهم التنصل والتهرب من كل الاتفاقات، هم حالة منفلتة ووجود إشكالي استغل قلق المرحلة وفرض نفسه كتهديد وكطرف مقوض متطلب للإرضاء. دخلوا الحوار بذهنية المحارب وأسهم تفلتهم وتخففهم من قيود الممارسة السياسة في توسيع مساحات مناوراتهم في حين لاح أن خيارات الحكومة والأحزاب أخذت تضيق نظرا لهشاشة المرحلة وتناقض بنية الحكم وتعاظم المشكلات وتنامي الفقر والاختناق المعيشي العام. استمر الحوثي معبرا عن نفسه كحالة خارج الإجماع الوطني مطالبا بحق المنتصر من المهزوم، استمر جانحا لا تعنيه التبعات ولا العواقب يبحث عن غطاء من عداوات تسهل له مهمات افتراس الدولة والحياة الحزبية المعيقة لبدائيته النزقة. علمتنا كثرة الخيبات أن نقلل من يقيننا بجدوى هذه المصالحات التي لا تقوم على أسس من العدل وتوازن القوة والجنوح العام للسلم.ماهو باعث على تخفيض الرجاء استعصاء الحوثيين وحليفهم صالح على الاستمرار خارج دائرة الحرب. إذ لم يعودا يملكان غير التصعيد والذهاب في طريق اللاعودة. لم يلتزم الحوثيون إطلاقا بأي مقررات وآخرها إجراءات بناء الثقة المنبثقة عن مشاورات جنيف الأخيرة حيث قضت برفع الحصار عن المدن وإطلاق سراح المعتقلين. وهو ما لم يحدث بالطبع ما هو واضح أن حلف الانقلاب والنقمة ملتزم بخرق كل التعهدات ومنها الهدنة الأخيرة التي قضت بوقف إطلاق النار نخشى أن الوقت قد فات لكي يتحول الحوثيون إلى مواطنين صالحين سيما بعد تحولهم أداة انتقام بيد صالح وإعلانهم الحرب على اليمن نخشى أنهم قد صاروا أكثر استعصاء على السلام.