09 نوفمبر 2025

تسجيل

المنعطف الاقتصادي الجديد وما يمليه

13 مارس 2016

نحن الآن في محطة مهمة من محطات الاقتصاد العالمي والاقتصاد الوطني، خصوصا أن أثر الاقتصاد العالمي على الاقتصاد الوطني مشهود وعلى مختلف القطاعات، لذلك من خلال متابعتنا لتطورات الاقتصاد العالمي يمكن أن نستشف أوضاع الاقتصاد العالمي المستقبلية والتحولات القادمة، وإن تجزأ الزمان إلى سنوات فإن الأحداث تتعدى الحواجز الزمنية والتعاريف الزمنية. فعام 2015 كان عاما صعبا جدا على الدول والشركات والمستثمرين وتقلبات الأسواق كانت كبيرة، فتراجعت الأسواق وتراجعت أسعار النفط بشكل كبير من 70 إلى 80 %، وبالتالي تأثرت معظم الاقتصادات العالمية والإقليمية والمحلية نظرا لارتباطها بالنفط وأسعار الطاقة، كل الاقتصاد العالمي اليوم يعتمد على الطاقة خاصة النظيفة منها مثل الغاز، وبالتالي فإن التراجع الكبير في أسعار الطاقة كان له أثر كبير على مختلف مفاصل الاقتصاد العالمي. وكان أثر تراجع الاقتصاد الصيني وتبعات طلبه على النفط والغاز الأثر الأكبر على أسعار الطاقة، ما دفعها للتراجع خلال الفترة الماضية، ونظرا لأن الاقتصاد الصيني كان يعتبر المحرك للاقتصاد العالمي فإن ما تعرض له من صدمات أثرت على مختلف الاقتصادات في العالم، ونشأت مخاوف كبيرة من استفحال التضخم السلبي، وهو ما كان له تأثير على قرارات الدول والشركات والمستثمرين، وأثر على الفوائد خاصة فوائد السندات الحكومية والسندات السيادية وسندات الشركات، وبلغت المخاوف أن دفعت كثيرا من المصارف المركزية العالمية إلى اعتماد ما يسمي بالفائدة السلبية، وهو ما حصل في الدانمارك والسويد وهو ما دفع المركزي الأوروبي لاعتماد فائدة تحت الصفر ثم تبعه المركزي الياباني، وأصبحت المخاوف أكبر من تراجع الاقتصاد العالمي وتردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة التضخم السلبي مع استمرار تراجع أسعار الطاقة، وهو ما يعتبر من أخطر العوامل على الاقتصادات المحلية وعلى الاقتصاد العالمي بشكل عام لأنه يشل دوافع الإنتاج والنمو، ومع نهاية 2015 ازدادت هذه الضغوط وكان هناك أمل في أن تحمل بدايات العام الجديد 2016 تباشير انفراج الأمور وتحسنها، ولكن حصل العكس حيث كانت بدايات العام الحالي صعبة، حيث تهاوت البورصات الصينية وهو ما انعكس صداه على البورصات العالمية والخليجية بشكل سلبي، وحدثت تراجعات ومخاوف في بدايات 2016 .وبدت حالة من عدم اليقين تسود الاقتصاد العالمي، إلا أنه تم تجاوز حالة التشاؤم الكبيرة، خصوصا بعد وصف بعض كبار المضاربين على المستوى العالمي الاقتصاد العالمي في بدايات العام بأنه يعاود أزمة 2008، ونحت بعض البنوك إلى هذا الاتجاه، ومع خروج كبار المضاربين من الأسواق تقلص العرض الكبير الذي كانت تعاني منه هذه الأسواق وبدا اتجاه تصاعدي للطلب على الأسهم من صغار المستثمرين، هذا بالإضافة إلى أن شركات الطاقة والمواد الأولوية بدأت تسترجع أوضاعها بعد خروج الكثير من شركات النفط الصخري وتراجعت كميات النفط المعروض والإبادة التي صاحبت تراجع الأسعار، وبدء سعر النفط يكسر المستويات المتدنية التي وصل لها مع بداية العام والتي بلغت 27 دولارا للبرميل ويتجه لمستويات فوق 40 دولارا .وبالتالي إذا كنا خلال عام 2015 نعاني من مخاوف التضخم السلبي، فإن العوامل التي بدأت تطرأ أصبحت تتخذ منحى مختلفا، فمع استبعاد مخاوف التضخم السلبي فإن المستثمرين سيتجهون لإعادة بناء مراكزهم وحساباتهم، وستتجه كميات كبيرة من السيولة إلى الأسهم إذا ما استمر تحسن أسعار الطاقة، وبالتالي فمن المتوقع أن تشهد الأسواق المالية "رافعة مهمة" في الفترة القادمة مع تبدد كثير من المخاوف التي دفعت للتراجعات الكبيرة خلال العام الماضي وبدايات العام الحالي، وبالتالي فإن الاتجاه هو عودة استقرار وتحسن هذه الأسواق، ولذلك فإن من المهم الأخذ في الحسبان أن أسعار الفائدة السوقية، والتي تعني أسعار الفائدة على السندات والتي تمليها السوق وليس المصارف المركزية، ستشهد ارتفاعا في الفترة القادمة، خاصة مع بدء الاقتصاد الأمريكي استرجاع قواه ليأخذ مكانه مرة أخرى كمحرك للاقتصاد العالمي بدلا من الاقتصاد الصيني، ولذلك فإن السندات الأمريكية التي كان ريعها في حدود 1. 6 % والآن وصلت لمستويات 1. 9 %، ومن المتوقع أن تصل لمستوى 2. 3 %، وهذا يدفع كثير من المستثمرين للتوجه بأموالهم للاستثمار في السندات الأمريكية ما سيدعم الدولار، في حين ستستمر معاناة الاقتصاد الأوروبي والياباني، وهناك مؤشرات على استمرار تراجع الاقتصاد الصيني الذي تراجع أثره، لذلك فإن الرؤية تنتقل إلى متابعة وضع الاقتصاد الأمريكي والذي في حالة استمرار نموه سيدعم أسعار النفط، وهو ما سينعكس إيجابيا على ميزانيات دول المنطقة ويدعم مشاريع التنمية ويخفف من وطأة العجوزات المالية في ميزانيات الدول المصدرة للنفط.