08 نوفمبر 2025
تسجيلتسلم السيد جون كيري حقيبة الخارجية الأمريكية خلفا للسيدة الحديدية هيلاري كلينتون وحسب ما نعلمه عن نواميس الحكم في واشنطن فإن وزير الخارجية يصبح الشخص الثاني الأكثر تأثيرا في العلاقات الدولية الأمريكية بالعالم بل ومع هشاشة الرئيس أوباما الدبلوماسية يصبح هو الشخص الأول بسبب انشغال الرئيس باراك بالملفات الداخلية من اقتصاد وبطالة وأزمة بنوك ويكون تعيينه بالنسبة لدول العالم حدثا ذا أهمية قصوى بالنظر إلى وزن الولايات المتحدة في العالم من النواحي الستراتيجية والاقتصادية والعسكرية. ويمكن القول إن الزميل الفرنسي/ دانيال رويو أستاذ الحضارة الأمريكية في جامعة السربون أصاب كبد الحقيقة في كتابه الأخير(الولايات المتحدة الأمريكية: حضارة عنف) الصادر عن دار نشر أرمان كولان بباريس، حين طالب بتوسيع فضاء الناخبين للرئيس الأميركي إلى كل سكان المعمورة، بدلا من الاقتصار على المواطنين الأمريكيين، وذلك لأننا في الانتخابات الأمريكية إنما نشهد سن سياسة العالم برمته وتقرير مصير الدنيا بأكملها وكذلك الأمر حين يقع تعيين وزير الخارجية الأمريكي. والأستاذ / رويو لا ينطلق في فكرته هذه من منطلقات "عربية " على قاعدة ديوان الحماسة ومنطق النشامى، بل هو لا يكن أي عداء للمجتمع الأمريكي، إنما يتوخى البحث العلمي التاريخي والسوسيولوجي والاستراتيجي والاقتصادي لتفسير ظاهرة العنف التي يقول بأنها إحدى مرتكزات وجذور السياسة الأميركية مهما كان الرئيس المنتخب ومهما كان الحزب الفائز. لهذه الأسباب أردت اليوم إعداد كشف عن التوقعات المنتظرة لنا نحن العرب وقد اضطلع السيد جون كيري بوزارة الخارجية في ظروف عربية عصيبة لم تكن هي ذاتها حين ترشح نفس السيد كيري للرئاسة، و توقعاتي هذه لا تنطلق لا من خيالي ولا من الأماني التي كثيرا ما تراودنا حول المأمول من هذا الرئيس أو ذاك أو من هذا الوزير القوي أو ذاك، بل من الواقع الأميركي وعلى لسان أصحاب الأمر والنهي هناك في واشنطن ومانهاتن (العاصمة السياسية والعاصمة المالية لأمريكا). في هذا الصدد يفيدنا جدا أن نصيخ السمع للسيد/ جوزف ويلسن آخر سفير أمريكي لدى عراق صدام والمستشار المقرب من / جون كيري وأفضل العارفين بشؤون العرب: يقول هذا الرجل لمجلة (الوطن العربي): " في صورة فوز / كيري للرئاسة أو بلوغه منصب قرار أساس في واشنطن لن يسحب الجيش الأميركي من المواقع الشرقية الحساسة مثل العراق وأفغانستان وربما غدا في إفريقيا الشمالية والوسطى بل وسيجلب الاتحاد الأوروبي إلى مشاركة أمريكا في هذه التواجدات عن طريق حلف الناتو وإقرار الديمقراطية، يضيف السفير / ويلسن قائلا: "إن قدرة الأمريكان على البقاء في العراق وصلت إلى مرحلة الامتحان في ظل تصاعد العنف وكان علينا ألا نغزو العراق منذ البداية وأعترف بأن الأمريكيين أساءوا حساب كيف سيكون الاحتلال وعقدوا صفقات مع العديد من الجهات ولم يعوا تعقيدات هذا البلد.. والآن نتحول إلى خبير أمريكي ثان هو أستاذ الإدارة الحكومية في جامعة جورجتاون الدكتور/ دانيال برومبيرغ الذي يفيدنا بما يلي: "لن يكون موقف / كيري مختلفا عن موقف /بوش لو كان هو الرئيس في الحادي عشر من سبتمبر، لكن / كيري ليس له حماس بوش أو كارتر الديني ولا التأثير السحري الشخصي (الكاريزما) الذي كان للرئيس كلنتون لكنه سيستخلص الدرس القاسي من فشل بوش في حلحلة القضية الفلسطينية، لأن مجرد التلويح لدى بوش بضرورة قيام دولتين إسرائيلية وفلسطينية لم يكن ذا فاعلية سياسية ولا نجاعة دبلوماسية، وبذلك ضيع الرئيس بوش مصداقيته في أخطر وأدق ملف شرق أوسطي ساخن. وسيكون موقف الوزير/ جون كيري (في موقعه الدبلوماسي) معتبرا بالمصالح القومية الأمريكية العليا التي تحرك سياسة الولايات المتحدة إزاء هذا الملف، أي نفس المصالح التي وضعها الرئيس / كارتر في حسبانه حين دشن صفحة جديدة من العلاقات العربية الإسرائيلية عام 1977 وهي نفسها التي وضعها الرئيس / كلنتون في اعتباره حين جدد اللقاء بين الخصوم في كامب ديفد 2 . وهنا نذكر بما أكده جون كيري بأنه يختلف جوهريا عن / بوش لأنه كما قال: " لا يدعي بأن الله إلى جانبه ولكن يدعو الله أن يساعده "، وهي إشارة لاتخفى على الخبراء والمحللين تقول إن الوزير/ كيري لا يدخل في حرب دينية (الحملة الصليبية) ويرفض الانضمام إلى جماعة المحافظين الجدد ذوي المنطلقات الدينية المتخلفة والمناقضة لروح الجمهورية الأمريكية، وهنا يناهض / كيري جوهر السياسة " البوشية " القائمة بصراحة على عقلية إرسالية تمزج التصرف الدنيوي السياسي بالروحي الخرافي المؤسس على المعتقد اللاهوتي! لكن الأخطر هو ما أوحى به المخرج الأميركي الذي أنتج شريط " فاهرنهايت 9/11 " من كراهية الديمقراطيين التقليدي للعرب. على كل لا يجب على العرب انتظار المعجزات والتحولات في السياسة الأمريكية، لأن الثوابت فيها أكثر بمسافات من المتغيرات مهما كان الرئيس ومهما كان الحزب، ومن هذه الثوابت التي تهمنا نحن العرب والتي استعرضتها / نيويورك تايمز: 1 العمل على إجراء إصلاحات عميقة في البنية السياسية والثقافية العربية، 2 مواصلة ضمان التفوق العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي على جيرانها العرب، 3 مواصلة الحضور العسكري في مناطق القلاقل الراهنة وأغلبها يقع في العالم العربي من أجل سد الطريق في وجه التوسع الصيني والروسي والانطلاق منه إلى التأثير في كل سياسات منطقة الشرق الأوسط بما يضمن المصالح الإستراتيجية والسياسية والنفطية للولايات المتحدة. هذه هي الثوابت حسب / جون كيري! فهل لاحظتم اختلافا بينها وبين سياسات / جورج بوش؟ بالطبع لا! لكن التغيير سيكون حتما في تنفيذها وتجسيدها على أرض الواقع في عالمنا العربي، أي الفروق ستكون في الأسلوب لا في المبدأ.