12 نوفمبر 2025
تسجيل* والنار تأكل كل شيء، ويكاد جلباب الوطن كله يحترق لتذروه الرياح، أتأمل الوطن المذهول من كل شيء حوله وهو يقع، أتأمل الوطن الحزين الذي أصابوا قلبه برمح فلا هو ميت ولا هو حي، صباحات الوطن حزينة وهو الممدد في حجرة العناية المركزة يلوب في وجعه وقد عز الدواء، ومساءات الوطن حزينة فكل يوم رمح يجاور رمحا والآه من خاصرة الوجع عاجزة عن قول آه. السواد يركض بين البيوت والشوارع، ليلبس الدنيا الحداد، آه ياوطن، وجعك صعب، ألمك صعب، حزنك صعب، جرحك صعب، دمعك صعب، صعب، صعب! من ذا الذي يمكن أن يحتمل دمع حبيبه وهو يتوجع ويئن؟ من ذا الذي يمكن أن يرى نزف قلب حبيبه يهرق على يديه ويفلح في التماسك؟ الثعابين تلدغ، والوحوش تنهش، والرعاع يدمرون الوطن الجميل النبيل، والخونة يهللون كلما سال دم! الذمرة في زنازينها لكنها ترشي القتلة لذبح وطنهم البديع من الوريد إلى الوريد! صعبة سكاكين الأبناء المأجورين على رقبة الوطن المذهول! كيف هان الحبيب لنهوي على قلبه بالطعنات؟ كيف هان الحبيب الحاني الودود لنصرعه بالطلقات؟ كيف هان الوطن؟ كيف هان؟ كيف هان؟ مجرد التفكير في الجواب صعب، صعب، صعب؟! * * * * * بورسعيد النبيلة محاصرة، لا بيع، ولا شراء، لا دخول ولا خروج، لا أمن ولا أمان، من يخرج منها قد لا يعود، فالمتربصون على الطريق، المدينة الباسلة الفاضلة تعاقب بالنفي حتى طعامها يصلها بالطائرات وقد عز تأمين الطريق، ماذا فعلت بورسعيد كي تعاقب؟ تهمة ألصقها المجرمون بها ومرقوا هاربين، ثم جاء الإعلام الأمي كي يصب على النار زيتا دون أن ينتظر براءة بورسعيد، هللت القنوات الموتورة، شحنت الناس، وأمهات الشهداء، وأسر الضحايا بضرورة الثأر دون أن تنتبه أنها تروج لبهتان وزور وإن كان التذكير ضرورياً، فبورسعيد هي التي غنى لها المغنون بعد فدائها الأسطوري (انتي يا رمز الفدا.. بورسعيد.. انتي يا نور السما.. بورسعيد.. انتي في القلب دما.. انتي في السمع نشيد، وبورسعيد هي التي قدمت أكثر من 13 ألف شهيد، وهي التي تحملت سبع سنوات في شتات التهجير بالمعسكرات والمدارس، عام 56 وقد هجرت مدن القناة، وهي التي شهدت شوارعها بطولات أسطورية للفدائيين الذين يتصدون للمحتل الغاصب، وهي التي اشتغلت نساؤها بشجاعة خرافية بالمقاومة الشعبية لدحر المحتل فمروا بعربات أطفالهن أمام نقاط التفتيش وقد ملأوا الفراش بأصابع الديناميت وفوقها وضعوا الرضع، ونساؤها هن اللائي نقلن للفدائيين القنابل بملابسهن الداخلية، وداخل الأرغفة ومررن أمام المحتل الغبي إلى حيث مخابئ الفدائيين في الجبانة، والاستاد، وبورفؤاد، وهن اللائي كن ينتظرن وردية عساكر الانجليز فيغلين قدور الماء حتى إذا ما مرت الدورية ألقين عليها الماء ليسلخهم ويسهل للفدائيين جرهم والإجهاز عليهم، ومن بورسعيدنا الباسلة (محمد مهران) الذي أبلى بلاءً أسطورياً بعساكر المحتل في 56 وعندما تمكنوا منه بعد ما جرح طالبوه بأن يرشد عن أماكن الفدائيين وبياناتهم فرفض فخيروه بين الاعتراف واقتلاع عينيه فلم يعترف لينفذوا وعيدهم وينقلوه إلى قبرص ويقتلعوا عينيه ليضعاها لضابط انجليزي فقد عينيه في اشتباك مع الفدائيين الذين خطفوا أيضا (مورهاوس) ابن عم ملكة انجلترا ليدوخ عساكر دول العدوان الثلاثي كلها دون أن تفلح في تخليصه حتى مات مختنقاً في تابوته، دون مزايدة، ولا تفخيم، ولا تكبير، بورسعيد فعلاً حمت أمه وكانت ببطولاتها الخارقة اسماً لا ينسى، مهم أن يعرف الإعلاميون الأميون الجدد، ساكبو البنزين ومشعلو الفتنة أن بورسعيد الأبية بريئة من دم المؤامرة، وأن شعبها النبيل الطيب معروف بمروءته، فإن قالوا الطيبة فهي بورسعيد، وإن قالوا الرجولة فهي بورسعيد، وإن قالوا النخوة فهي بورسعيد، وإن قالوا التضحية فهي بورسعيد حبيبتي، ومسقط رأسي، وفخر كل بورسعيدي يعرف دمها الذي أريق دفاعاً عن بوابات مصر كلها! * * * * * * على شريط إحدى القنوات العربية قرأت مسج (لفل من الفلول) يقول (ولا يوم من أيامك يا مبارك) وله أقول لست وحدك من تترحم على أيام المخلوع فكل الفاسدين واللصوص، والبلطجية وسماسرة السلاح، ووسطاء البغاء كلهم يقولون نفس كلامك، صدق المثل الطيور على أشكالها تقع. * أثلج صدري مظاهرة النساء التي هتفت في شوارع القاهرة المؤامرة دنيئة بورسعيد بريئة. * الحجر تأثر عندما رأى رجلاً يحمل صورة ابنه الوحيد الشهيد في استاد بورسعيد ويقول (أنا مش عايز مبارك يموت أنا عايز ولاده يموتوا علشان يحس بحرقة قلبنا). * بورسعيد أصبحت سجناً لأهلها فمتى يفك الحصار؟، (الحداية الكبيرة أمريكا) وراء كل ما يحدث في مصر بالاشتراك مع فلول مبارك، خلاص بانت الحقيقة.