06 نوفمبر 2025

تسجيل

العواطف العربية في زمن العواصف الدولية

12 نوفمبر 2015

كم مرة في مسيرة الحياة الطويلة سمعت الزملاء الأجانب من حولي في الندوات والمؤتمرات يتحدثون عن العرب كظاهرة عاطفية (لا يعرفون عبارة ظاهرة صوتية !) و يدعي بعضهم أن العواطف العربية كانت سببا مباشرا في تعاقب نكساتهم و استمرار تبعيتهم. فأعجب لتقييمهم للعرب لأني أدركت منذ الطفولة و بفضل التعليم الأصيل الذي تلقاه جيلي بأن العرب أمة العلم إلى جانب أمة ديوانها الشعر (الشعر ديوان العرب) وأن هذه الأمة جمعت بين التقدم العلمي و الثراء الروحي. و يكفي أن نشير إلى أن 38000 مصطلح علمي و تكنولوجي متداول باللغات المختلفة هي من أصول عربية أولها مصطلح (الصفر) و أكبرها مصطلح (اللوغاريتم) وهو علم الجبر و الكسور (كان الخوارزمي يسميه بعلم الجمع و التفريق) حين ابتكره محمد بن موسى الخوارزمي في عهد الخليفة المأمون في القرن التاسع م و كان قائما على بيت الحكمة في بغداد و هذا العلم هو الذي أسس للكمبيوتر و السمارت فون اللذين تستعملهما يوميا أيها القارئ الكريم وما عبارة (اللوغاريتم) سوى تحريف لإسم الخوارزمي ! إلى آخر العلماء العرب و المسلمين المعروفين لكنهم يعملون اليوم في جامعات أمريكية و أوروبية ويابانية لأسباب لا تغيب عنكم ! و تعلمنا أيضا أنه بالتوازي مع ريادتنا العلمية فنحن أمة أنزل إليها القرآن :(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ)تلك كانت رسالة الأمة لكن الاستخراب (المسمى خطأ بالاستعمار) نجح في التلاعب بجيناتنا فحورها لدى قلة من النخبة حتى تكون طيِّعة للتغريب و تشعر بأنها هزمت حضاريا و أن عليها أن تندمج في الحضارة الغالبة لغة و ثقافة و حتى دينا ! و ها نحن أمام عواصف دولية عاتية تتصارع على أرضنا القوى العظمى بل وتتحالف لخدمة مصالحها و تحقيق أهدافها (أخيرا التحقت بالجيوش الأجنبية في المشرق الإسلامي حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديجول) و تعقدت لعبة الأمم الكبرى حولنا إلى درجة أتحدى فيها أيا كان من الزملاء العرب أن يشرح لي من هو العدو ومن هو الصديق ؟ ومن هو الغازي و من هو الفاتح ؟ و من يساعدنا و من يساعد علينا ؟ و لنتأمل اليوم سنة 2015 حال عواطفنا العربية التي انتقلت تدريجيا من الانتماء للإسلام إلى التعلق بالقومية ثم تقلصت إلى الانتساب للوطن بفضل الكفاح التحريري لكن الولاء أصبح للطائفة و للقبيلة و للعرق و غفلنا عن أننا كلنا أمة محمد و شعارنا (لا إله إلا الله محمد رسول الله) و لا تقولوا لي كما لقنتنا النخب الإنسلاخية بأن معضلاتنا العربية هي نتيجة مؤامرات غربية مسيحية صهيونية صليبية ماسونية مخابراتية ! وهو المنطق السقيم الذي نتج عنه تفرقنا شيعا و تجرأت علينا الأمم الكبرى تتقاسم من جديد (تركة الرجل المريض) نفس الرجل المريض المحتضر الذي تقاسمت فرنسا و بريطانيا تركته بمعاهدة سايكس بيكو سنة 1916 منذ قرن في عملية تشبه إعادة بث حلقات المسلسل المأساوي على شاشات حياتنا و مصيرنا. لا بل إن مأساتنا أننا شعوب عاطفتها جياشة و عقلها معطل . فانظر حولك لترى العراق ثلاث عراقات و سوريا ثلاث سوريات و اليمن ثلاث يمنات و ليبيا خمس ليبيات وفلسطين فلسطينين في دوامة حروب أهلية إقليمية و ربما غدا عالمية إنطلاقا مما أصبح يسمى بؤر التوتر و الأزمات و أغلبنا مع الأسف ما يزال يجادل في قضايا هامشية مؤقتة من نوع ( من سيختار الكيمرات التي ستنصب في رحاب المسجد الأقصى و من سيقوم بمتابعتها ؟؟؟) كأن قضية تحرير أرض و مقدسات فلسطين انحسرت و تقزمت لتصبح (ملف كيمرات مراقبة!).هل من يقظة بعد سبات عميق ؟ و هل بلغت إلى آذاننا أصداء قرع طبول القارعة و ما أدراك ما القارعة !