08 نوفمبر 2025
تسجيلكان وزير خارجية المملكة السيد عادل الجبير في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بوزير خارجية روسيا واضحا من دون شك حين اعترف بأن غاية دول الحصار هي تغيير السياسات القطرية! وهذا التصريح لا يحتاج إلى تفسير أو تحليل لأنه في الحقيقة يكشف عن النوايا المبيتة للدول الأربعة تجاه دولة قطر. ولكن الذي خفي عن الوزير السيد الجبير هو أن ما سماه "تغيير سياسات دولة قطر" إنما يدخل في إطار الممنوعات دوليا وفي صلب المس الواضح من سيادة دولة مستقلة عضوة في كل المؤسسات الأممية والدولية والإقليمية. أي أن هذا التصريح يعد اعترافا ساطعا بارتكاب مخالفة منافية للقانون الدولي، وهو ما يبرر الموقف القطري الثابت في أن الحوار بين الأشقاء مرحب به دون المس من سيادة أي دولة. وهو ما جاء على لسان الخارجية القطرية في أعقاب المكالمة الهاتفية بين صاحب السمو أمير قطر وأخيه سمو الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة بترتيب معلن من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وهو الموقف الأمريكي والروسي والأوروبي والصيني نفسه في كل حالات الوساطة أو الدعوة للحوار أو تأييد الوساطة الكويتية. وبالعودة إلى ما كتبه د.عبد الوهاب الكيالي في الموسوعة السياسية فإن كثيرا من الفقهاء وضعوا تعريفا أو مفهوما محددا لفكرة الـسيادة، فقـد أشـار إليـه الفلاسـفة اليونانيون عندما ذكره أرسطو في كتابه "السياسة" على أنها "سـلطة عليـا داخـل الدولة" وأوحى بالطاعة المطلقة لقوانين الدولة بوصفها صاحبة السيادة العليا التي لا تعلو عليها أي سلطة أخرى. أما أفلاطون فقد رأى أن السلطة لصيقة بشخص الحاكم. في حين ذهب آخرون إلى القول بأن السيادة للقانون وليس للحاكم. وفي العصر الحديث نجد أن فكرة السيادة تتحدد باعتبارها السلطة العليا التي لا تعلوهـا سـلطة، وميزة الدولة الملازمة لها والتي تتميز بها عن كل ما عداها من تنظيمات داخل المجتمـع الـسياسي المنظم ومركز إصدار القوانين والتشريعات والجهة الوحيدة المخولة بمهمة حفظ الأمن والنظام، المحتكرة الشرعية الوحيدة لوسائل القوة ولحق استخدامها لتطبيق القانون. وعلى ضوء هذه التعريفات فإننا نؤكد أن أي نية أو إرادة لتغيير سياسات دولة من الدول إنما يدخل في خانة المحظور دوليا ويدشن عصرا جديدا مخيفا من الفوضى وإثارة الفتنة عندما تتحول قرارات دولة من الدول إلى أيدي خارجية، إذ لا تبقى للدولة حرمة ولم يعد مواطنوها يثقون فيها! وتوسع فقيه القانون الدولي آيسمان في تحديد محتويات مصطلح السيادة، إِذْ بين أنها "السلطان الذي لا يقر بسلطان أعلى من سلطانها، ولا بسلطان ممايز لسلطانها، وهي ذات وجهـين، داخلـي وخـارجي، السيادة الداخلية من الجهة التي تشتمل على حقها بالحكم على جميع المواطنين الذين تتـألف مـنهم الدولة، وحتى جميع الذين يقيمون على أرضها. والسيادة الخارجية من جهة ثانية والتي تتلخص في حقها بتمثيل الشعب وإلزامه في علاقاتهـا بـسائر الأمم". ويستنتج الأستاذ الدكتور أدمون رباط من تعريف آيسمان لمصطلح السيادة بأن هذا التعريف يتضمن صفتين جوهرتين للسيادة هما: سيادة أصلية في مبدئها، وسيادة سامية في قوتها باعتبار أن السيادة لا تستمد أصلًا إلا من نفسها ولا تقر بسيادة تعلو عليها. وهو التحديـد للـسيادة بوجهيها الداخلي والخارجي الذي كادت تتفق الآراء العلمية عليه. وهذا ما يفسر وجدانية الـسيادة، وعدم إمكانية تقسيمها إلى سيادة داخلية وأخرى خارجية. إن السيادة كباقي القيم غير خاضعة للمقاييس المادية، وهي من ثَمَّ وحدة تامة غير قابلـة للتجزئـة تمامًا كما الحرية والحق والخير والجمال وغيرها من القيم. وفي هذا الإطار يقول الأستاذ كاره دي مالبرنج: "... إن السيادة الخارجية هي التعبير للسيادة الداخليـة في الدولة، كما أن السيادة الخارجية غير ممكنة دون السيادة الداخلية، لأن الدولة إذا كانت مرتبطـة بشيء من التبعية إزاء دولة أجنبية، فلا تكون متمتعة بسلطان سيادي في الداخل". هذا ما أورده د.طلال ياسين العيسى في سياق بحثه حول السيادة في معناها القديم والمعاصر. ومن هنا نفهم حقيقة وأبعاد التمسك القطري المشروع والحكيم بعدم المس من السيادة، ونفهم مساندة الرأي العام الدولي للشرعية والمنطق والحكمة من الجانب القطري.