07 نوفمبر 2025
تسجيلبعد أن دخلت الاحتجاجات الفلسطينية منعطفا جديدا بإضراب قطاع النقل العام وامتناع السائقين من نقل الركاب وإضرابات المدارس وما أدى إليه ذلك من شلل في الحياة العامة والمواجهات الخطيرة مع أجهزة أمن الضفة الغربية.. وفي محاولة منه لاحتواء هذه الاحتجاجات وآثارها أعلن رئيس وزراء السلطة في الضفة " سلام فياض " أن حكومته ستعمل على زيادة الأجور والرواتب خلال الشهر المقبل وأنها ستخفض أسعار الوقود وأن وزارة الاقتصاد ستراقب السلع الأساسية حتى لا يتم رفع أسعارها من دون مبرر، مؤكداً على حق الشعب في التعبير عن رأيه بالوسائل السلمية ومشيراً إلى أن حكومته ستقوم بعمل مجموعة من الإجراءات اللازمة لمواجهة العجز اعتمادا على المساعدات الخارجية وما سيقدمه رجال الأعمال العرب.. السؤال هو: هل الذي أثار المواجهات والإضرابات هو فقط الرفع الأخير لأسعار الوقود وتأخر تسليم الرواتب وعدم وصول الصدقات العربية كي يكون الحل في مدى هذا الإعلان؟ بالتالي فهل وصل " سلام فياض " بقراراته هذه نهاية مطاف الأزمة؟ وما دام الحل بيده " فياض " وتحت لسانه إلى هذا الحد فلماذا أثار هذا الرجل الأزمة ابتداء؟ ولماذا انتظر عليها حتى صارت فضيحته والمطالبة بإسقاطه على كل لسان انتهاء؟ والأهم ؛ كيف نفهم ما جاء على لسان الرئيس " عباس " من نسبة الأزمة لحماس وللانقسام؟ ولنا أن نتساءل: ماذا كان الهدف الحقيقي من تهييج وتحزيب حركة فتح والشعب الفلسطيني على حماس، أم أن حشر اسمها مع الانقسام ومع العدو وممارساته كان يراد به شيئا آخر؟ وأقول: إن رئيس وزراء الضفة ورئيسه ومن حولهم يعلمون جيدا أن المشكلة الحقيقية في مكان آخر بعيد عن حماس وحتى عن الانقسام.. ويعلمون أن علاقة حماس والانقسام بالعجز الذي تعانيه السلطة كعلاقة فقدان الملح بالعجز عن صنع طبق حلويات.. ويعلمون أن المشكلة الاقتصادية إنما هي الشرارة التي أثارت الاحتجاجات وليست بالنسبة للمشكلة الحقيقية إلا أثرا ونتيجة.. فإذا أخطأت قيادة السلطة في قراءة هذه الأحداث وفي استقراء مسبباتها وأصرت على تجنب المعالجات الجذرية والأسباب الجوهرية لها فستفاجئهم الأيام – وأقول ذلك تحليلا واستنتاجا فقط – ستفاجئهم بالكثير الذي لا يملكون رده ولا يتقون شره.. فإذا كان الناس يحتجون اليوم على فياض وال10% من غلاء أسعار المحروقات فلن يسكتهم غدا إلا إسقاط السلطة والرئيس.. فالأسباب منطقية والتجارب ماثلة والشعب الفلسطيني ليس بدعا من الشعوب ولا مختلفا عنها وبالتأكيد لن يرضى بسلطة لا تملك من المؤهلات إلا بقية من تاريخ ثوري لقوم ماتوا أو أميتوا وبقية وجاهة أكسبها إياها الاحتلال من تسوية ميتة أيضا ومن معاكسة المقاومة وتعقب الثورة ومن كون مشروعها خيارا أمريكيا وإسرائيليا؟ الحقيقة أن مشكلة الشعب الفلسطيني الذي علّم الدنيا كلها الانتفاضات والثورات الشعبية ليست في الانقسام! ولكنها في السلطة ذاتها بفكرة وجودها وبالدور الذي صنعت لأجله وبالأشخاص القائمين عليها.. ليست في الانقسام ؛ فالانقسام الذي يؤذيها هو ذاته يؤذي حماس مضافا إليه الحصار والعزل الدولي والإقليمي والقصف والاستهداف الدموي الصهيوني الذي شن عليها وعلى غزة حربين كبيرتين منذ اغتيال عرفات.. ومع كل ذلك لم نجد الرواتب تتأخر تحت سلطتها ولم نجدها تحتاج لرفع الأسعار والضرائب بل وجدناها تحقق النجاحات تلو النجاحات سواء على مستوى الإدارة أو على مستوى رد العدو وردعه وإنجازات المقاومة أو على مستوى القبول الشعبي.. فإن قيل إن حماس تملك مخرجا من خلال الثورة المصرية والرئيس " مرسي " المتعاطف معها وتملكه من خلال الأنفاق مع مصر.. أقول: صح هذا أخيرا وليس قبل الثلاثة أشهر يوم فاز مرسي وفي أبعد مدى ليس قبل السنة والنصف عمر الثورة المصرية.. فيما نجاحات حماس ممتدة لسنوات مذ فازت بالتشريعي وحكمت غزة.. أما الأنفاق فنعلم أن ما نجا منها هو فقط ما لم يكتشفه الخبيث أبو الخبيثين الذي وصفه قادة العدو بأنه الكنز الإستراتيجي للصهيونية.. وأقول أيضا: القضية ليست في قرب غزة من مصر ولا في بعد الضفة عنها ؛ ولقد كانت السلطة هناك قبل عام ال2006 وكانت لديها نفس فرصة الانفتاح على مصر إضافة لفرصة دعم وتعاطف النظام المصري الساقط معها ومع ذلك لم تنجح فيما نجحت فيه حماس.. على العكس فقد رأيناها تستدعي الاحتلال لاستغلال وخنق المعابر كما فعل اتفاق دحلان - موفاز.. والظن أنها – أي السلطة إن عادت إلى غزة ولو بعد مائة سنة فستعود لنفس الخضوع ولذات معادلات الاحتلال وستفقد كل ميزة لقربها من مصر أو لتعاطف العالم معها.. الحقيقة أن مشكلة السلطة والشعب الفلسطيني كله هي في ذات السلطة وفي خياراتها والهوامش الضيقة والسقوف المنخفضة التي قبلت الانحشار فيها وتحتها، وهي في الاتفاقات السياسية والاقتصادية والأمنية التي جعلتها وجعلت الشعب الفلسطيني كله تحت التصرف والتحكم الصهيوني وما يتفضل به الاحتلال.. والحقيقة أن مشكلة السلطة هي في انعزالها عن هموم ووجدان الشعب الفلسطيني وفي اعتقادها أنه نام نومة لن يصحو بعدها أبداً فبالغت في الانكشاف أمنيا وفكريا وسياسيا وأخلاقيا وانكشفت خيبة وعودها وعهودها.. ألم يعلن فياض قبل سنتين أن الدولة الفلسطينية ستعلن في أغسطس عام 2011 فأين وعوده؟ وفي مقابلة له مع صحيفة هآرتس الصهيونية وبمناسبة عيد الفصح اليهودي 2010 ألم يبد استعداده للمشاركة فيما يسمى " احتفالات استقلال إسرائيل "؟ ألم يعلن أنه " ليست لديه مشكلة مع الفكرة الصهيونية ومع الاعتقاد بأن " إسرائيل " هي بلاد التوراة "؟ ألم يدع في نفس المقابلة إلى نسيان معاناة الشعب الفلسطيني معتبرا أن الأهم هو " دفع الحوار إلى الأمام بعيدا عما اعتبره خلافات متعلقة بالرواية التاريخية؟ ألم يعلن فيها أيضا عن تنازله عن حق العودة لافتا إلى إمكانية استيعاب المهجرين والمبعدين داخل الجزء المحتل من فلسطين عام 1967 وليس إلى بيوتهم التي هجروا منها في 1948 م؟ فإذا كان هذا هو فياض وكانت هذه هي أفكاره وأوصافه، وكان لا يزال حتى اليوم على رأس الوزارة ويقول عنه الرئيس عباس " سلام فياض يمثلني شخصيا " فهل بعد هذا من ود للشعب الفلسطيني ومن مغامرة برضاه؟ آخر القول: للشعب الفلسطيني مشكلة مع فياض ورئاسته للوزارة ومع أفكاره ومع من يمثلهم ؛ ولكن مشكلته أكبر منه ومن كل الأشخاص الذين فوقه والذين تحته، والشعب الفلسطيني يمر بأزمة اقتصادية قاتلة طالت كل مرافق الحياة وكل قطاعات المجتمع ؛ ولكن أزمته الحقيقية فوق ذلك ومعه وأساسا له إنما هي سياسية ووطنية بامتياز.. فإن توهم أحد أنه يستطيع بتملق الشعب وبالسماح له بالمظاهرات أو بتخفيض الأسعار أو بالوعود الهوائية دغدغة رضاه زمنا فبالتأكيد لن ينجح في ذلك الدهر كله.. ولئن فترت الثورة أول النهار ؛ فلن تلبث أن تنطلق آخره، ومن يتجاهل حقائق الواقع حري بالأحداث أن تتجاوزه ومن يتنكر للشعب الفلسطيني ومعاناته ومحرقته حري ببطون أقدام هذا الشعب العظيم أن تدوسه..