هل تقرر مصير السلام أو المواجهة في فرسوفيا ؟

منذ أسبوع حدث في العالم منعرج من أخطر المنعرجات التاريخية في مسيرة لعبة الأمم وبالطبع كالعادة مر مرور الكرام على النخب العربية الحاكمة والمثقفة لأن هذه النخب مشغولة بمعضلات العرب الراهنة وهي كثيرة. ولكن الدول الأخرى عملاقة أو متعملقة أو حتى صغيرة اهتمت بالحدث وخصصت له مراكز البحوث الإستراتيجية الندوات والتحليلات. يتمثل هذا الحدث في انعقاد المؤتمر السنوي لحلف الناتو برئاسة واشنطن ومشاركة أعضاء الحلف الثمانية والعشرين. ولكن الرمز الساطع في انعقاد هذا المؤتمر هو قبل كل شيء مكان انعقاده وموعد انعقاده. المكان أولا هو الغريب لأن فرسوفيا عاصمة بولونيا هي التي حمل الحلف الشيوعي السوفييتي اسمها (حلف وارسو) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية عصر الحرب الباردة بين العملاقين زعيمي المعسكرين الليبرالي والاشتراكي وقائدي الحلفين المتواجهين: الناتو ووارسو! هذا الرمز المكاني وحده يشكل تحديا غربيا لروسيا والصين ويوحي بوضوح بأن واشنطن حسمت الحرب الباردة لصالحها وهي تتخذ من فرسوفيا التي كانت رمز القوة الشيوعية المتحالفة مقرا لاجتماع حلف شما ل الأطلسي المنتصر دون حرب كما كان يقول الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسن.المطلوب من أعضاء الحلف الأطلسي كما حلل المحللون الغربيون (راجع صحيفة لوموند الباريسية عدد يومي الأحد والإثنين 3 و4 يوليو الجاري) المطلوب هو الموافقة على برناج أمريكي لنصب منصات صواريخ بالستية ونووية ومضادة للصواريخ المهاجمة في أربع مناطق من العالم بغاية معلنة هي حماية ما يسمى العالم الحر من هجمات نووية مفاجأة والتحسب من عمليات عدائية لدولة منفردة أو لمجموعة من الدول التي تعتبرها واشنطن مناوئة أو حتى عدوة. ونشرت صحيفة لوموند خارطة للأعمدة الأربعة التي سيقام فيها ما يسمى في اللغة العسكرية (الدرع الحامية للغرب) ورسمت الصحيفة خارطة للعمود الأوروبي وهو يرتكز على مجموعات من المنصات الصاروخية والرادارات الراصدة في كل من إسبانيا وبريطانيا وبولونيا ورومانيا وفرنسا وتركيا الغاية منها تسييج القارة الأوروبية بجدار واق هو الدرع النووية الأمريكية الضامنة للأمن في أوروبا الحليفة. أما العمود الثاني فهو الآسيوي وسينشر منصاته في اليابان وكوريا الجنوبية والغاية منه مواجهة تهديدات كوريا الشمالية التي تعلن مرات عديدة أنها ستهاجم حليفات الولايات المتحدة إذا ما تعرضت للعدوان، ويأتي العمود الثالث في الشرق الأوسط مع تحديد التهديد الإيراني بالاسم وربما الباكستاني تلميحا لأن إسلام أباد تمتلك السلاح النووي ويهدف هذا العمود إلى حماية الشرق الأوسط والخليج من أي مفاجآت قادمة من إحدى الدول المناوئة أو من الجماعات المتشددة في حالة استحواذها على أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيميائية وغيرها، أما العمود الرابع فهو الذي يحمي الولايات المتحدة ذاتها وذلك عبر إحاطة القارة الأمريكية بدروع من نفس الصنف.هذا ما يتفق عليه قادة الغرب من خلال تفعيل قوات الحلف الأطلسي لكن روسيا على لسان بوتين والصين على لسان الناطق باسم الخارجية الصينية أكدتا أن هذه القرارات التي بدأ تجسيدها هي قرارات تهدد أمن موسكو وبيجين ولا تنخرط في المعاهدات العديدة التي وقعتها معهما واشنطن أثناء رئاسة ريجن وبوش الأب حين تحرك الرئيس الروسي ميخائيل جورباتشوف في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات ليعرض مشروع سلام على واشنطن بدأ بمعاهدات الحد من السلاح النووي والتدمير الذاتي للأسلحة الكيماوية والجرثومية وقد دون هذه المعاهدات وخلفياتها في كتاب مذكرات نشر منذ عشر سنوات وترجم إلى لغات عديدة بعنوان (ما قبل المذكرات) وكانت إشارة انطلاقها بين جورباتشوف ووزير خارجية الولايات المتحدة جامس بيكر آنذاك في شهر مايو 1989. ويتوقع الخبراء من ردود الفعل الروسية والصينية أن تعلن موسكو وبيجين انسحابهما من معاهدة الحد من الأسلحة النووية كإجراء احتجاجي على ما سماه بوتين العقيدة العسكرية العدائية الجديدة لحلف الناتو. كل هذه المؤشرات في الحقيقة لا تبشر بسلام ولا بخير خاصة بالنسبة لنا نحن العرب وللتاريخ أقول لكم أيها القراء الأعزاء حاولوا معي مقارنة الوعود الانتخابية للرئيس الأمريكي باراك أوباما والتزاماته المعلنة بعد انتخابه ثم إعادة انتخابه لتدركوا معي أن أغلب البرامج التي تعهد بتنفيذها سقطت مع الزمن خلال الأعوام الثمانية التي قضاها في المكتب البيضوي أولها حل القضية الفلسطينية سلميا ومنذ 2008 إلى اليوم تعقدت القضية وضاع حق شعب فلسطيني مضطهد، وثانيا إقامة جسور قوية بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي في خطاب جامعة القاهرة ونرى أن هذه العلاقات ازدادت توترا وانعدام أو سوء فهم، وثالثا إعادة النظر في النظام العالمي الجائر لتدشين عهد من العدالة الدولية ونرى اليوم تواصل الحروب في الشرق الأوسط دون أمل في الحل ورحم الله 300 ضحية بريئة سقطوا في بغداد يوم الأحد 3 يوليو في انفجارات عوضت اللقاءات ويغرق العالم العربي شيئا فشيئا في الفوضى والنسيان.