15 نوفمبر 2025
تسجيللا نستطيعُ أنْ نظلمَ الجاهليةَ بنسبةِ قياداتِ وإعلاميي وتويتريي دولِ الحصارِ إليها، فقد كانتْ للعربِ الجاهليينَ مساوئهم، لكنهم كانوا يمتازونَ بأخلاقٍ رفيعةٍ في شؤونٍ كثيرةٍ أشارَ إليها حديثُ المصطفى، صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما بُـعثتُ لأتَممَ مكارمَ الأخلاقِ)، و هي أخلاقٌ لم نجدْ لها أثراً في سياساتِ وإعلامِ تلك الدولِ منذُ ارتكابها لجريمةِ الحصارِ ضدَّ بلادنا. ولنقرأْ ذلك في النقاطِ التاليةِ: 1) الحجُّ والعمرةُ: من الأخلاقِ الفاضلةِ للجاهليينَ، أنهم كانوا يضعونَ خلافاتهم جانباً في الأشهرِ الحرمِ إعلاءً لشأنِ الحجِّ رغم الوثنيةِ التي سادتْ أنذاك. أما اليومَ، بعد أربعةِ عشرَ قرناً من البعثةِ النبويةِ، نجدُ السعوديةَ تمنعُ منْ تشاءُ من المسلمينَ من حقهم الأصيلِ في أداءِ الحجِّ والعمرةِ. فشعبنا ممنوعٌ من ذلكَ، وإذا شكونا قالَ المسؤولونَ السعوديونَ: إنَّ القطريينَ مسموحٌ لهم بأدائهما بشرطِ قدومهم على غيرِ الخطوطِ الجويةِ القطريةِ، وأنْ يكونَ مطارُ الملكِ عبد العزيزِ هو منفذ الدخولِ لهم. ثم يقومونَ بتسريبِ أنباءٍ عن طلبٍ سعوديٍّ للكويتِ بعدمِ نقلِ الحجاجِ القطريينَ إلا بعد حصولهم على موافقةٍ أمنيةٍ. وكأنهم يقولونَ لنا: لا تأتوا، وإذا أتيتم فإننا غيرُ مسؤولين عما ستتعرضونَ له من إجراءاتٍ مهينةٍ، ومعاملةٍ تعسفيةٍ. فهل هذه أخلاقٌ إسلاميةٌ؟ وهل كان الجاهليونَ يقبلونَ بها؟. 2) الطعنُ في الأعراضُ: كانَ التعرُّضُ للأعراضِ في الجاهليةِ جريمةً عظيمةً تجرُّ الحروبَ والويلاتِ، وإذا أساءَ شخصٌ لعرضِ آخرَ حتى لو كانَ عدواً له، فإنه يُنبذُ وقد تتبرأ منه قبيلته. ولعلَّ أروعَ ما يدلُّ على هذا الخلقِ الرفيعِ ما قاله عنترةُ: وَأغضُّ طرفي ما بدتْ لي جارتي حتــــــــــى يواري جارتي مأواها أما في زماننا، فقد أصبحتِ الأخلاقُ المنحطةُ عنواناً للإعلامِ ووسائلِ التواصلِ الاجتماعيِّ بدولِ الحصارِ. فالرعاعُ وعديمو الأخلاقِ فيهما لم يتركوا إساءةً وبذاءةً إلا نطقوا بها ضد أعراضنا، وتفننوا بالانحطاطِ ووصلوا به إلى درجاتٍ يستنكفُ أقلُّ الناسِ وعياً وأدباً عن الوصولِ إليها، فأخذوا يستخدمونَ الشعرَ الهابطَ والرسومَ الكاريكاتوريةَ الركيكةَ، حتى صار شعبنا وأشقاؤنا العربُ يشعرونَ بالقرفِ والاشمئزازِ، ويأسفونَ لأنهم كانوا ينظرونَ (للأشقاءِ) بتبجيلٍ فيما مضى من الزمانِ. 3) الصلحُ بينَ المتخاصمينَ: عندما كانت قبيلتانِ جاهليتانِ تتخاصمانِ وتتحاربانِ، فإنهما كانتا توسطان قبيلةً أخرى للإصلاحِ بينهما، وتلتزمان بما يتمُّ التوصلُ إليه من أحكامٍ. فقد اقتتلَ الأوسُ والخزرجُ في يومٍ مشهورٍ من أيامِ العرب في الجاهليةِ هو يومُ سُمير، ثم طلبَ الأوسُ من ثابتٍ بنِ المنذرِ أنْ يحكمَ بينهما، فحكمَ والتزموا بحكمه. أما اليومَ، فقد قبلتْ بلادنا ودولُ الحصارِ بالوساطةِ الكويتيةِ، فكنا نبدي التزامنا ونعلنُ قبولنا بها، لكن تلك الدولَ لم تتركُ فرصةً إلا أساء إعلاميوها ومغردوها للكويتِ فيها، بل وحرضوا عليها، وهددوها علانيةً أو خفيةً، مما يجعلنا نشعرُ بأنهم لم ينسلخوا عن أخلاقِ الإسلامِ وحسبُ، إنما انسلخوا عن أخلاقِ العربِ الفاضلةِ في الجاهليةِ أيضاً. 4) الثأرُ: كانَ العربُ في الجاهليةِ يعتقدونَ أنَّ طائراً اسمه الهامةُ يخرجُ من رأسِ القتيلِ ويظلُّ يصرخُ: اسقوني اسقوني، حتى يؤخذَ بثأره. وكانوا يتشددونَ في ذلك لأنهم يخشونَ أنْ تتحدثَ العربُ في الأزمانِ القادمةِ عن ظلمهم وسوئهم. أما في أيامنا، فإنَّ دولَ الحصارِ تطالبُ بالثأرِ منا لأنَّ النموذجَ الحضاريَّ لبلادنا قتلَ النموذجَ المتخلفَ حضارياً وإنسانياً لتلك الدولِ، مما دفعَ بشعوبها للمطالبةِ بجزءٍ مما نتمتعُ به من حقوقٍ واحترامٍ ورفاهٍ. إنهم يسعونَ لتعطيلِ مسيرتنا ونهضتنا انتقاماً لمقتلِ نموذجهم المتخلفِ، لكنهم سيفشلونَ لأننا نتمسك بمنجزاتنا، ونعملُ على الوصولِ ببلادنا إلى الدولة الحديثةِ ذاتِ المؤسساتِ والمجتمعِ المدنيِّ، وجميعنا ملتفون حولَ القامةِ الشامخةِ لسموِّ الأميرِ المفدى. كلمة أخيرة: النيةُ هي الفيصلُ في قبولِ الأعمالِ الصالحةِ، وسنعتمرُ ونحجُّ بقلوبنا، وسنشكو إلى اللهِ ونستنصره على الذينَ يعتقدونَ أنَّ دياره المقدسةَ تعد ملكاً خالصاً لهم دون المسلمين.