08 نوفمبر 2025
تسجيلالإنسان في مسيرة الحياة يعلم أن الدنيا فيها كثير من النعم التي سخرها لنا الله من كمال فضله وإحسانه على عباده.. وعلى الجانب الآخر، نعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فيها من المِحَن والصعوبات والأمراض ما يصعب على الإنسان تحمُّله؛ لذلك جعل الله المثوبة على قدر المشقَّة والتعب والصبر.. • الأمراض الدنيويَّة نوعان: أمراض الأبدان وأمراض القلوب: والنوع الأول علاجه أيسر وأبسط بكثير من النوع الثاني؛ فأمراض الأبدان واضحة؛ فكما أنزل الله الداء أنزل معه الدواء، وأمراض البدن لا يتعدَّى ضررها إلى الآخرين. نأتي إلى النوع الأخطر والأهم، ألا وهو أمراض القلوب، وهي أمراض شأنها كبير وضررها عظيم على الشخص نفسه وعلى مَن حوله؛ لذلك لم يُغفل الشرع الحنيف هذا الجانب الخفي من شخصيَّة الإنسان. ومن أخطر الأمراض التي نود الحديث عنها اليوم: مرض قسوة القلب؛ فهذا الداء يهدم الأسرة والمجتمع وتنهار به الأمم؛ فالقسوة تفرِّق الشمل وتزرع الحقد والكراهية في النفوس.. فقد كانت قسوة القلوب من الأمراض التي أهلكت بني إسرائيل بعدما جاءتهم البيِّنات، فشبَّه الله قلوبهم بالحجارة التي لا حياة فيها ولا نفع منها، فقال تعالى عن بني إسرائيل: «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً» (البقرة: من الآية 74). فهذا يدلِّل دلالة واضحة على خطورة القسوة وأثرها في المجتمعات؛ لذلك حذَّر اللهُ منها رسولَنا الكريم، صلى الله عليه وسلم، في طريق دعوته وحثه على اللين والرحمة، قال تعالى: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْحَوْلِكَ» (آل عمران: من الآية ١٥). • قسوة القلب تفضّ الناس وتفرقهم: علَّم الله تعالى نبيَّه، صلى الله عليه وسلم، أن قسوة القلب تفضُّ الناس مِن حوله وتفرِّق جمع أمته، فكان صلوات ربي وسلامه عليه يفيض رحمةً ويسرًا على أمته في شتَّى أمور دينها ودنياها.. وجاءت توجيهاته، عليه الصلاة والسلام، فيها تحذير وتخويف من خطورة قسوة القلوب وعقوبتها الكبيرة.. فعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «وإنَّ أبعد الناس من الله القلب القاسي» (رواه الترمذي). وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «لا تُنزع الرحمة إلا من شقي» (رواه الترمذي وحسَّنه الألباني). وإذا نظرنا إلى قسوة القلب من منظور اجتماعي، نجد أثرها يبدأ منذ النشأة الأولى؛ فالمربي القاسي يفسد علينا الناشئ المتزن، فتخيل فئة من أولياء الأمور، سواء الآباء أو الأمهات، يتصفون بقسوة القلب، كل نمط تربيتهم بالقسوة والشدة والغلظة، فيَخرج لنا جيل مشوه مضطرب نفسيًّا لا يستطيع تكوين رأي أو أخذ قرار، متزعزع الثقة بنفسه غير قادر على الإبداع والتميُّز.. للأسف هذه حقيقة! ربما يجد البعض في كلامي مبالغة، ولكن هذا الكلام من واقع تجارِبنا وما مرَّ بنا من مشكلات كثيرة لشباب وفتيات وأسر كاملة دمرَّتها قسوة القلوب. فالزوج القاسي تفسد علاقته بزوجته، ومن هنا يأتي الشقاق والفراق، وقسوته على أولاده تدمِّرهم وتعطِّلهم عن التقدُّم في المستقبل، وتجد الأسرة مفكَّكة ومنهارة بسبب القسوة والغلظة، وتُقطع الأرحام وتُهدم كل الصلات الاجتماعيَّة بسبب قسوة القلب، ويندرج على تفكُّك الأسر تفكُّك المجتمع بالكامل، كما أن قسوة القلب تُعد أول طريق الجريمة عياذًا بالله. • القلب القاسي يموت فيه الضمير: فالقلب القاسي يموت فيه الضمير والمراقبة لله، فلا يشعر بالخوف أو تعذيب الضمير، فتجد الشيطان له سلطان عليه، ومن السهل أن يسلك طريق الجريمة بكل سهولة، نسأل الله العافية من القسوة وآثارها. فقد يرى البعض في القسوة والشدة هيبة، ولكن هذا من تلبيس إبليس على الإنسان؛ يضع لك السم في العسل. بل العكس هو الصحيح؛ فكلما كان الإنسان رحيمًا ودودًا رفيقًا متواضعًا، زادت محبته وعلت هيبته. • نجاح الإدارة من نجاح مدير رحيم بموظفيه ومراجعيه: لذلك تجد كل كيان ناجح وراءه مدير رحيم ليِّن سهل العشرة والتعامل، يترك مساحة للخطأ والتعلُّم، ومساحة للنقاش وبحث جميع الآراء وإعطاء أهمية لكل من حوله؛ فهذا أول طريق التقدُّم والإبداع والتطوُّر لدى أي وزارة أو مؤسسة أو إدارة. • رسالتي لنفسي ولكل من يرجو النجاة: ففي كلامي رسالة نُصح لي أولًا ولكل مسلم يرجو النجاة في الدنيا والآخرة؛ أيها الإخوة والأخوات .. يجب علينا الحذر من قسوة القلوب، ويجب أن نحرص دائمًا على الميل إلى اللين والرحمة؛ لأنهما مفتاح كل خير وأساس كل بناء قوي شامخ وناجح وقادر على التطوير والتقدم. • دعاء: اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجِّنا من الظلمات إلى النور، وجنِّبنا الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن، وبارِك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقواتنا، وقلوبنا، ووالدينا وأهلينا، وذرياتنا، وإخواننا وأخواتنا، وتُب علينا، إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمك وفضلك علينا يا رب العالمين.. اللهم آمين.