12 نوفمبر 2025
تسجيلأتعجب كثيراً ويتعجب معي الكثيرون من الذين عايشوا الحركة السياسية طيلة السنوات الماضية..والشخص المتابع لمجريات السياسة وتقلبات السياسيين يشعر بأن ساستنا خاصة الكبار منهم يفتقدون التركيز ويفقدون بالتالي البوصلة التي تقنع المواطن في عصر الجماهير وعصر الثورات وعصر الاتصالات التي جعلت من العالم بفضل ثورة الاتصالات غرفة اجتماعات عن طريق الفيس بوك.. واليوتيوب والتويتر لقد ظل ساستنا الكبار(كبار السن) يمضغون عبارات الديمقراطية ويرفعون شعاراتها في وجه الجماهير وأمام الغربيين وعبر وسائل الإعلام.. وعندما يخلون إلى أنفسهم يمارسون أبشع أنواع الدكتاتورية التي يعبرون عنها عملاً لا قولاً.. فليس هناك حديث فوق حديث القائد أو الرجل الأول.. فهو خلق ليكون أولا وقد يكون الأخير حسب الممارسات التي نراها..ومنذ أن تفتحت عيني على السياسة فهي لا ترى سوى أفراد اعتلت السلطة مرات ووضعت في موضع القرار والسيادة مرات.. أو حملته الجماهير على الأعناق ولكنهم أخفقوا جميعاً وبلا استثناء.. لأنهم ببساطة يقولون مالا يفعلون ويفشلون لأسباب الممارسة الواقعية من ترجمة الشعارات إلى واقع تلمسه الجماهير.. الذين ينادون اليوم بإسقاط النظام جميعهم انقلابيون ووصلوا إلى السلطة عن طريق الانقلابات..ومارسوا الأحادية والإقصاء والتصنيف كلما سنحت لهم الظروف.. وهم اليوم ينادون بإسقاط نظام منتخب جاء عبر دستور اعترف به عالمياً.. ويسعون لعقد صفقات مع قوى تحمل السلاح لإقصاء النظام عبر تحالفات دولية ليعتلوا هم كراسي السلطة دون تفويض شعبي بل يريدون تقويض الدستور..وتقويض النظام الديمقراطي الذي منحهم حق التنظيم وحق التعبير وحرية امتلاك الدور وعقد الندوات والمؤتمرات والمناداة بإسقاط النظام الذي منحهم كل هذه المساحات من الحريات وهل سألوا أنفسهم من الذي أسقط النظام الديمقراطي في مايو 1969م؟ وهل سألوا أنفسهم من الذي أباد الضباط في بيت الضيافة في يوليو 1971م. وهل سألوا أنفسهم من الذي دبر الانقلاب على النظام الديمقراطي في يونيو 1989م ومن الذي صاغ دستور التحول الديمقراطي في 1998م ومن الذي أثار ثائرة الأحزاب الأخرى بتعديل عبارات في ذلك الدستور وإدخال كلمة(التوالي)!؟ إن الشعب السوداني ذاكرته حية ويقظة وهو شعب ذكي ولماح ومسكون بالسياسة يحترم قادته وكباره سواء على مستوى العائلة أو القبلية أو المنطقة أو الولاية أو الدولة أو الحزب أو حتى فريق الكرة والألفا في فصل الدراسة بالمدرسة ونحن كذلك.. انتهى الزمن الذي يمكن أن يزايد فيه الناس على حساب هذا الشعب وهذا البلد..يكفي أكثر من نصف قرن ظللنا وبسبب خلافات الكبار نقف عاجزين عن إنجاز دستور دائم.. ويكفي ما تعانيه بلادنا من تدخلات حتى من أصغر الدول وأكثرها جدة ووجوداً وتجربة في شؤوننا الداخلية بعد أن كنا نحن رواد التضامن العربي والإفريقي.. وكنا حلالين العقد أينما كانت ونقف عاجزين حتى على معايشة النظام الديمقراطي ورافضين حكم الشعب.. ورافضين حتى تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة خارج التفويض الشعبي..وعاجزين عن تكوين لجنة لوضع الدستور الدائم الذي يحمل كل الحلول..ويكفي كل هذا وإلا فإن العاقبة لن تكون خيراً.. وإذا كان القانون يحدد سن التقاعد وإدارة أقل شأن من شؤون العمل بالدولة بستين عاماً.. فما بال هؤلاء الذين يخوضون المعارك لإدارة شأن بلد بحجم السودان وقد غادروا كل محطات المعاشات والاستبقاء والمجاملة.. كما يحدث في الخدمة العامة.. ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه.