09 نوفمبر 2025
تسجيلكما كان متوقعا انتكس مؤتمر حوار السودانيين الذي بدأت جلسته الافتتاحية في العاشر من أكتوبر الجاري، وغابت عنها معظم القوى السياسية الكبرى والفاعلة من أحزاب تاريخية جماهيرية، ومنظمات مجتمع مدني، وجماعات مسلحة كانت وما زالت تحارب الحكومة وتغض مضاجعها.وانفردت الحكومة وحزبها بساحة المؤتمر تخطيطا وتنفيذا بصورة مطابقة لما حدث في الانتخابات الرئاسية والتشريعية السودانية الأخيرة التي أجراها نظام المشير البشير بالصورة والكيفية التي رغم مطالبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والترويكا الثلاثية المهتمة بالشأن السوداني (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج)، بل وكل القوى السياسية السودانية، بإرجاء تلك الانتخابات إلى ما بعد انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس البشير نفسه.. كل القوى السياسية السودانية في خطاب مشهود في السابع والعشرين من يناير 2013.عشما من تلك القوى بأن يفضي الحوار المنتظر إلى نهاية سعيدة للمشكل السوداني الذي أضنى السودانيين والدول المنغمسة فيه تاريخيا عن طريق التوسط الطويل المضني بين الفرقاء السودانيين. بالطبع لا ينسى أحد صور المقاطعة الشعبية الكبيرة التي عكستها القنوات الفضائية في شكل موظفي انتخابات يغطون في نوم عميق لأن المقترحين فضلوا النوم في منازلهم وعدم القدوم إلى مراكز الاقتراع مثلما فضل موظفو الاقتراع النوم في القاعات الخالية من المقترعين. كان ذلك العزوف الجماعي رسالة عميقة الدلالة بعثها الشعب للنظام الذي ظل يدير منفردا أمور الحكم على مدى ربع قرن من الزمن غير آبه. لسوء الحظ كرر النظام نفس الخطأ فيما يختص بعقد مؤتمر العاشر من أكتوبر الذي حاور فيه نفسه مضافا إليها مجموعة من أحزاب ديكورية صنعها النظام ومولها من مال الدولة لتكون كومبارسا سياسيا أجوف يتباهى به في يوم الزينة أمام المتفرجين الذين يعرفون حقيقة البئر وغطاءها. لم يستفد النظام من تجربة الانتخابات البائسة في حال يذكر بالمقولة الأثيرة: "آل البوربين لا ينسون شيئا ولا يتعلمون شيئا من أخطائهم القديمة، إذ يكررونها حتى أصبحوا مثلا باقيا يتبادله الساخرون على مدى العصور كناية عن الغفلة وسوء التقدير".لقد عقد الرئيس مؤتمر الحوار بمن حضر.. ولم يحضر إلا قليل من حلفائه الجاهزين دائما للتصفيق والهتاف والتهليل للذي يسوى والذي لا يسوى. لقد انتكست آمال السودانيين مرة أخرى تضاف إلى المرات الكثيرة التي صحبوا فيها انتكاسات كان يمكن تفاديها لو أرادوا وصمموا.. و"لكن المكتولة لا تسمع الصايحة"، كما يقول المثل المطروق! آمل أن يحدث المؤتمر الحوار المنتظر اختراقا سياسيا كبيرا في المشكل السوداني ويحقق المعجزة السياسية التي ظل شعب السودان ينتظر حدوثها منذ حوالي نصف قرن من الزمن هي عمر السودان المستقل بعد تحرره من ربقة الاستعمار الثنائي في الأول من يناير 1956. من نصف قرن، بدأت على أثره حكومة الرئيس البشير فعليا بعض الخطوات التنفيذية لتكوين الآليات واللجان الفنية التي تؤسس لقيام مؤتمر حوار وطني لا يستثني أحدا من الطيف السياسي السوداني. ولكن الرئيس البشير فاجأ الجميع بتغييره لتكتيكاته السياسية فجأة وأعلن عن قيام الانتخابات الرئاسية والتشريعية.