05 نوفمبر 2025
تسجيلأثناء إجازتي التي أمضيتها في أيسلندا والنرويج هذا العام، قضيت أسبوعين في التنزه سيرًا على الأقدام وزيارة الوجهات السياحية. وخلال الرحلة بأكملها، لم أستخدم النقود الورقية ولو في معاملة واحدة. وتُصنف النرويج باعتبارها واحدة من أكثر الدول المتصلة رقميًا، حيث تتم 3- 4 ٪ من المعاملات المالية فقط باستخدام الأموال النقدية. وقد يتصور المرء أن عالم التجزئة القائم على استخدام وسائل التكنولوجيا الفائقة يقتصر على الاقتصادات المتقدمة فحسب، ولكن هذا الأمر ليس صحيحًا. ورغم أن المعاملات النقدية لا تزال هي المهيمنة في قارة أفريقيا، يتزايد استخدام المدفوعات الرقمية بوتيرة سريعة. وقد أفاد تقرير صادر عن شركة ماكينزي في عام 2022 أن الدول الأفريقية، ولا سيَّما مصر ونيجيريا وغانا وكينيا وجنوب أفريقيا، تعمل على تطوير البنية التحتية وأطر السياسات اللازمة لدعم هذا النمو. وتعكف منطقة التجارة الحرة في قارة أفريقيا على تطوير نظام الدفع والتسوية الأفريقي. وفي عام 2021، شهدت المدفوعات التي تتم عبر الجوال نموًا بنسبة 39 % في أفريقيا، مع ارتفاع قيمة هذه المعاملات إلى أكثر من 700 مليار دولار، أي ما يقرب من 70 % من قيمة المدفوعات العالمية باستخدام الجوال. وبشكل متزايد، باتت المدفوعات الإلكترونية تتم بطريقة آنية. ويعزز هذا التطور من التبادل التجاري عبر الحدود.. وما يحدث في العديد من الاقتصادات التي كانت تفتقر إلى البنية الأساسية الشاملة للنطاق العريض هو أنها تخطت شبكة الويب 1.0 واتجهت مباشرة إلى تكنولوجيا الهاتف الجوال. وكانت الآثار الاجتماعية لهذا التحول رائعة، حيث يمتلك أقل من نصف السكان في أفريقيا حسابًا مصرفيًا، في حين تمتلك نسبة كبيرة منهم هاتفًا جوالاً. ويتميز نظام تحويل الأموال عبر الهاتف الجوال بأنه تحويل سلس تديره الشركة المشغلة لشبكة الهاتف الجوال، بشكل مستقل عن النظام المصرفي. ويمكن ربط المحفظة الرقمية أو الإلكترونية بحساب مصرفي، وتعمل بطريقة مماثلة، عادةً مع الهاتف الذكي. ويمكن لهذه المحافظ أن تقدم خدمات مثل دفع الفواتير وتحويل المدخرات، بالإضافة إلى معاملات البيع بالتجزئة. وبالنسبة لتجار التجزئة، يمكن أن يكون النقد محفوفًا بالمخاطر ومكلفًا، من حيث إجراءات نقل الودائع النقدية إلى البنك، وضمان أمن هذه الودائع. وتتميز عمليات الدفع بالبطاقات والهاتف الجوال بأنها سريعة وسهلة للعملاء. وبالنسبة للحكومات، يُعد تصنيع الأوراق النقدية وسك العملات المعدنية أمرًا مكلفًا، خاصة بالنسبة لأوراق البوليمر فائقة التقنية المصممة للحد من تزوير العملات. ومع حلول المعاملات الرقمية محل النقد، باتت الحكومات ووكالات تنفيذ القانون في وضع أفضل يتيح لها إمكانية تقليل فرص التهرب الضريبي والتجارة غير القانونية وغسيل الأموال. وتترك المعاملات الرقمية سلسلة من البيانات، في حين لا يمكن تعقب الأموال النقدية فعليًا. وتُعد المخاوف المتعلقة بالخصوصية أحد الاعتبارات المهمة. فرغم أن القدرة على تتبع المدفوعات أمر مبرر بالنسبة لوكالات تنفيذ القانون لتعقب العصابات الإجرامية المشتبه بها، إلا أن ذلك قد يشكل انتهاكًا لحقوق حماية البيانات للمواطنين الملتزمين بالقانون، لذلك يجب أن تكون التشريعات متوازنة وأن تُنفذ بشكل فعال. وهناك مخاوف من إمكانية اعتماد كبار السن من ذوي الدخل المنخفض الذين لا يمتلكون هاتفًا ذكيًا أو خدمات مصرفية عبر الإنترنت على الأموال النقدية. بالإضافة إلى ذلك، يختار بعض الأشخاص عدم الاتصال رقميًا على الإطلاق، إما بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية، أو لمجرد تفضيلات شخصية. وفي نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، اتخذت السويد واحدة من أكثر الخطوات عزمًا بإقدامها على استبدال المعاملات النقدية بالمعاملات الرقمية، ولكن الحكومة اضطرت إلى التراجع جزئيًا بعد تعرضها لانتقادات. وفي أوائل عام 2020، أصدرت الحكومة السويدية قانونًا يلزم البنوك بتقديم الحد الأدنى من الخدمات النقدية. وتشهد قطر معدل نمو سنوي مركب يبلغ حوالي 14 % في استخدام المدفوعات الرقمية. وفي عام 2021 وحده، ارتفعت مدفوعات التجارة الإلكترونية عبر نظام QPay التابع لمصرف قطر المركزي بنسبة 53 %. وبحلول شهر يوليو 2023، وصل حجم المعاملات التي تمت عبر نقاط البيع الإلكترونية إلى 27.2 مليون معاملة بقيمة 6.48 مليار ريال قطري. كما أصبحت مراقبة دفع الأجور أسهل بفضل المدفوعات الإلكترونية. وشهدت دولة قطر في الماضي مشكلة التأخر في دفع الرواتب لا سيَّما في قطاع البناء. ومنذ عام 2015، بات هناك نظام لحماية الأجور يفرض عقوبة على صاحب العمل إذا تأخر عن دفع الراتب لأكثر من سبعة أيام، ولم يعد الدفع نقدًا مرحباً به. وهناك ميزة أخرى، في سياق الاقتصادات على غرار الاقتصاد القطري الذي يسعى إلى التنويع وعدم الاعتماد على النفط والغاز، وهي تشجيع قطاع التكنولوجيا المالية، حيث لا يمكن إجراء عمليات الدفع عبر الهاتف الجوال وغيرها من أشكال الدفع الرقمي إلا في حالة وجود نظام فعال وآمن. ومع ذلك، لا يوجد نظام رقمي خالٍ من العيوب. ولا يمكن مكافحة التجارة غير المشروعة والتهرب الضريبي باستخدام التكنولوجيا وحدها، فلابد من وجود قوانين فعالة وهيئات تنظيمية قوية، ولكن الحد من استخدام الأموال النقدية سيساعد في هذا الأمر.