08 نوفمبر 2025
تسجيللقد أصبحنا نرى كيف تغيرت القلوب وأظلمت النوايا ، فتبدل التسامح والعفو والصفح بالحقد والانتقام، وغدت الزلة الصغيرة خطيئة لا تغتفر ، والعثرة سقطة لا يمكن نسيانها ، وباتت الأخطاء تتراكم في القلوب دون أن تصلها يد النسيان أو المسامحة وليس ذلك كله إلا لأننا غيرنا ما في أنفسنا فتغيرت حياتنا ، وبدلا من أن نغسل نفوسنا ونفتح في بداية كل يوم جديد صفحة جديدة تحمل البياض والنقاء ، باتت أوراقنا في صبحنا ومسائنا ملبدة بقصص قديمة عفا عليها الزمان ، ولا ندري إن كان سيأتي يوم نمحوها أم أننا سنرحل عن هذه الدنيا بتلك الصحائف المثقلة ...كان هذا ما دار في وجداني من حديث النفس حين كنت أقرأ قصة إبن الزبير، حيث كان لعبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنهما وفي ذات يوم دخل عمّال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق، وقد كانت بينهما عداوة من عبد الله بن الزبير إلى معاوية ( ابن هند آكلة اﻷكباد ) أما بعد فإن عمالك دخلوا إلى مزرعتي فمرهم بالخروج منها..أو فوالذي ﻻ إله إﻻ هو ليكوننّ لي معك شأن ! فوصلت الرسالة لمعاوية وكان من أحلم الناس فقرأها ..ثم قال ﻻبنه يزيد ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني ؟ فقال له ابنه يزيد : ارسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه فقال معاوية : بل خيرٌ من ذلك زكاة وأقرب رحما فكتب رسالة إلى عبد الله بن الزبير يقول فيها من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبير (ابن أسماء ذات النطاقين) أما بعد فوالله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلمتها إليك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك، فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك فإن جنّة الله عرضها السماوات واﻷرض فلما قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بلها بالدموع وسافر إلى معاوية في دمشق وقبّل رأسه وقال له ﻻ أعدمك الله حلماً أحلك في قريش هذا المحل.قارنت بين مانراه حولنا في هذا الزمان وبين تلك النفوس الراقية ، فلم أستطع إلا أن أقول رزقنا الله تعالى تلك القلوب النقية المتسامحة وجعل رمضان الفضيل هذا شهر خير وبركة وتسامح علينا جميعاً.