18 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); مصر ما بعد ثورة 25 يناير 2011 تبحث عن هويتها المدنية بعد سنين طويلة من حكم العسكر، لكنها ما لبثت بعد ثلاث سنوات من الثورة أن عادت لحكم مشابه لحقبة ما قبل الثورة بوصول الجنرال السابق عبدالفتاح السيسي إلى منصب الرئاسة بعد خمس وأربعين سنة عاشها مرتديا البدلة العسكرية.هذا البحث عن الهوية المدنية يتم في ظل وجود قوى إقليمية تريد أن تؤطر الدور المصري في أدوار معينة ذات طابع عسكري يستنزف مقدراتها من دون أن يمتد إلى التأثير السياسي، فالإقليم حسب تصورات هذه الدول غير مستعد لوجود دور مصري مؤثر في مجالات الديمقراطية والاقتصاد. لنعد إلى نقطة البداية ثم ننطلق لنرى كيف وصلت مصر إلى وضعها الحالي.أغلبية الشعب المصري، خاصة الشباب والناشطين المحرومين من فرص المشاركة السياسية الحقيقية، قاموا بثورة ابتدأت في 25 يناير 2011 بمشاركة محدودة، ثم اشتعلت من 28 يناير إلى 10 فبراير بمشاركة واسعة، إلى أن انتصرت في 11 فبراير.الجيش المصري تدخل حينها فقام بانقلاب ناعم ضد الرئيس حسني مبارك ليتولى السلطة عبر المجلس العسكري الأعلى للقوات المسلحة فيقبل الثوار ذلك مرغمين لاستحالة تشكيل مجلس ثوري يقود البلاد، ولأن المناخ الثوري لأغلبية المشاركين من الشعب في الثورة لا يمكن أن يشكك في نوايا الجيش في حينها.قوى النظام السابق أو ما تعرف بالدولة العميقة رفضت هذا التغيير في هرم السلطة وقاومت ببطء التغيير الثوري بأسلوب يشبه تأثير السم، بطيء لكنه قاتل، لتنجح في نهاية الأمر في استمرار أجزاء من النظام السياسي القديم خصوصا في الجيش والشرطة والقضاء، رغم أن الأجواء كانت مهيأة لاستئصال سرطان الدولة العميقة.ومع ذلك القوى المؤيدة للثورة كانت تراهن على الإجراءات المعلنة للانتقال إلى النظام السياسي الجديد وتضع ثقتها في الجيش كحام للثورة فتقبل بتعديلات دستورية مبكرة بدلا من تشريع دستور جديد.هنا كان الفخ الأكبر، فالاستفتاء على التعديلات الدستورية عام 2011 كان في الوقت نفسه تثبيتا لدستور 1971 وهو دستور قديم لم يستطع أن ينشىء نظاما سياسيا مستقرا عبر عقود من الزمن، فكيف توقعت القوى الثورية أنه سينشئ نظاما سياسيا جديدا يؤمل منه أن ينقل مصر إلى مقدمة الركب الإقليمي كما تستحق أن تكون.بعد ذلك كان هناك مساران يحددان شكل الدولة المصرية في حقبة ما بعد ثورة 25 يناير، المسار الأول كان شكليا ويحصل في العلن عبر إدارة الجيش للحكم في البلاد وفي ظل مشاركة القوى السياسية والشعبية، أما المسار الآخر فكان غير واضح ويتمثل في العودة المتسارعة للدولة العميقة ليس لتجنب الاستئصال من القوى الثورية الجديدة، بل لتشارك في صناعة واتخاذ القرار السياسي من جديد وكأنما لا ثورة حصلت.انتخب مجلس شعب وسيطر عليه الإخوان المسلمون بشكل واضح فكان ذلك الإخفاق الأول لثورة 25 يناير، فبدلا من أن تكون ثورة سمتها أنها للجميع وجدت الدولة العميقة والقوى الإقليمية المعادية للربيع العربي فرصة للتشكيك في مدى قدرة الثورة على الإتيان بنظام سياسي لكل المصريين وليس لفصيل واحد.ربما لو كانت لدى الإخوان رؤية أعمق، كما في الحالة التونسية، لسعوا إلى عدم الحصول على الأغلبية الساحقة في مجلس الشعب وللجأوا إلى تحالفات حقيقة مع باقي القوى الثورية كي تشعر باقي مكونات ثورة يناير أنها ثورة كانت وستستمر للجميع وبالجميع وبالتالي ستحمى من الجميع.المتضررون من الثورة في مصر لم يكونوا ليستطيعوا أن يهاجموا ثورة يناير، لأن قوة الدفع الثوري كانت لا تسمح بذلك، فالمجتمع متأهب للتصدي لأعداء الثورة، لكنهم وجدوا في فوز رئيس ينتمي للإخوان المسلمين فرصة لا تعوض للربط العضوي بين الثورة وما أسموه أطماع الإخوان في الاستيلاء على كل السلطات ليكون هذا التحذير مدخلا لبدء إزاحة الإخوان والثورة طبعا.الدولة العميقة هنا عادت بوجه وطني لتطل بقوة باسم حماية مصر من هيمنة الإسلام السياسي، فأخذ إعلام رجال الأعمال المتضررين من مناخ الثورة يخلق صورة نمطية للإخوان المسلمين وللتيار السلفي تتمحور حول فكرتي الإرهاب، والفشل في إدارة الدولة.وبدأ القضاء بالتدخل في الشأن السياسي عبر بوابة المحكمة الدستورية ومنصب النائب العام وهي المؤسسات التي لا تزال تدار في ذلك الحين بتشكيل تم تعيينه من قبل دولة حسني مبارك العميقة.وجود رئيس من الإخوان كان هذا أيضا خطأ إستراتيجيا، فالمصريون كانوا سيتقبلون إقصاء للدولة العميقة من قبل رئيس غير محسوب على الإسلام السياسي لكنه الفخ الذي نصب للإخوان المسلمين ووقعوا فيه رغم المعارضة الشديدة التي ووجه فيها هذا التوجه في مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين قبل أن يتخذ القرار بالترشح.القصة تتواصل بحرب حقيقية ضد الرئيس المنتخب محمد مرسي شنتها الدولة العميقة، جيشا ورجال أعمال وإعلاما وفلولا، وشاركها قطاع من المؤسسات القبطية القلقة من تنامي قوة الإسلام السياسي.لكن وإلى جانب هذه الحرب المشبوهة، والتي تستهدف في حقيقتها ثورة يناير، كان هناك قلق مشروع من قطاعات في الشعب المصري ممن تمنوا أن يروا نظاما سياسيا جديدا لا يتسيده تيار بعينه فانحازوا إلى هذه الحرب أملا بظهور دولة جديدة يكون فيها مكان لهم.الخاسر الأكبر بعد سقوط دولة مبارك، ودويلة الإخوان، وعودة الدولة العميقة، برؤوسها المتعددة في الجيش والقضاء وأصحاب المصالح من رجال الأعمال، كان وبلا شك التيار المدني، سواء كان ليبراليا أو معتدلا أو شعبيا، فهذا التيار كان سيسيطر على مجلس الشعب لو أجريت الانتخابات قبيل انقلاب 3 يوليو.مصر دولة لا تزال تبحث عن هويتها السياسية، فنظامها السياسي عاد لأحضان الدولة العميقة، ودورها الإقليمي يتناقص لصالح دول تاريخيا كانت أقل سطوعا من مصر.ولا بديل للقوى السياسية والشبابية في ظل عودة الدولة العميقة إلى مراكز القرار من مواجهة هذه الدولة بالأساليب الديمقراطية عبر المشاركة الواسعة في كل انتخابات، وعبر نقل المعركة إلى المجتمع المدني، وعبر تحقيق التغيير الجذري الحقيقي بطرح مشاريع إصلاح متعددة.