10 نوفمبر 2025

تسجيل

ضريبة الرأس!

11 مايو 2019

ليس من اليسير أن تكون رأساً وصاحب مسؤولية في قوم! عليك آنذاك أن تدفع ضريبةً باهظةً هي ضريبة الامتياز! كل الوجوه متعلقة بك، تستمد قوتها من قوتك وثباتها من ثباتك. أما أنت فمهما تضخمت الأحداث ومهما زلزلت العاديات من حولك كان لزاما عليك أن تظل رابط الجأش، ثابت الأقدام، متخليا عن تلك العواصف التي تعصف في بؤرة بشريتك الكائنة من لحم ودم!! أن تكون رأساً في جثمانِ قومٍ يعني أن تظل القلوب والعيون معلقة بك، تستمد قوتها من قوتك، وهو ما يستدعيك أن تكون في قمة طاقتك التي لا ينبغي لها ولا يجوز أن تنفذ أو تستحدث من عدم! بل أن تستحيل كلك إلى أيادي تمتد لتربت على أكتاف الجميع، وأن يعمل لسانك بدوام كامل يحفز ويدعم ويثبت ويقوي ويرفع مؤشر المعنويات إن بدأ بالانخفاض، وأن تظل جبلاً من الطاقة المتوهجة المشعة في الليل والنهار. وليس شرطاً أن ترتدي تلك الرأس طيلسان الحكم أو عمامة الإمارة! فما خبِرْنا أمثال هؤلاء إلا ذيولا! وإنما رأس القوم هو ذلك الذي تعلقت به القلوب والآمال، ورأت فيه ملاذاً ومهربا من ضربات الحياة الموجعة، والمتتابعة، ورأت فيه حصناً منيعاً ضد خيبات الأمل وهزائم النائبات. فالأم والأب مثلاً كلاهما رأس في جثمان الأسرة وجدا نفسيهما مكلفين بذلك تكليفاً فطرياً يجعلهما يكتمان كل لواعج الحرمان ليجودا لأبنائهما بكل ما يملكان دون أن يشعر بذلك جسد الأسرة الغافي على كفيهما..، وما أصعب الأمر حين يكون الرأس عائلاً وحيداً والدةً كانت أو والداً. وقد يكون ذلك الرأس هو الإبن الذي وجد نفسه في مقتبل عمره مسؤولا عن أسرته مسئولية كاملة وصار هو عائلها وأمانها من غوائل الدهر، فصار لزاما عليه أن يكبر في عمر الحياة أعماراً فوق عمره الزمني. أن تكون رأساً في قوم؛ وجب عليك أن تظل عصي الدمع شيمتك الصبرُ.. ولا بأس إن أضواك الليل أن تبسط طبيعتك البشرية من ماءٍ وطين وأن تُذل دمعاً من خلائقه الكِبْرُ. ألا رحم الله قلب هذا الإنسان الذي هو بمثابة المسئول والرأس في محيط من حوله، يحمل داخله براكين الهموم ولا يحق لنبضاته أن تُسرع قليلاً عن نظمها، أو أن تُسمع لها زفرة مكبوتة تخفف قليلاً من وطأة تلك الحمم الثائرة في سويدائه.