05 نوفمبر 2025

تسجيل

أحوال العرب وقمة بغداد

11 أبريل 2011

حتى الآن، لا تزال القمة العربية موعودة أواخر مايو المقبل، بغداد متمسكة بعقدها ومصرة عليها، بل تعتبرها نوعاً من الاختبار للعرب ونياتهم حيال العراق "الجديد". الجامعة لا تمانع، وليس لها أن تمانع، طالما أن هناك قراراً من القمة السابقة التي انعقدت في سرت أواخر مارس 2010. في الأسبوع الأول من هذه السنة زار وفد من الجامعة العربية العاصمة العراقية، وكان برئاسة الأمين العام عمرو موسى، وكان أول حديث عن التحضيرات التي أنجزت وتلك المزمعة، تزامن ذلك مع سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ولم يكن هناك انطباع بأن العالم العربي مقبل على تحول كبير، لذلك بدت القمة احتمالاً ممكناً. بعد أيام قليلة أزف موعد القمة العربية الاقتصادية في شرم الشيخ، كثير من القادة تغيبوا عنها، سيطرت عليها ارتدادات الحدث التونسي، توالى المسؤولون العرب الموجودون على إبلاغ الصحفيين أن "العدوى" لن تصل إلى بلدانهم، بينهم وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط صاحب عبارة أن الحديث عن هذه العدوى "كلام فارغ". كان هناك مشروع قرار جانبي، لا علاقة له بجدول الأعمال الاقتصادي، استهلك الكثير من النقاش لاعتماده، وفيه تسجيل لرغبة مصر في إدانة التدخلات الغربية في الشؤون الداخلية للدول العربية، وذلك من قبيل الرد على بابا الفاتيكان وانتقاداته بعد تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية والاستهداف المنهجي لأقباط مصر. بعد تنحي الرئيس حسني مبارك، ودخول مصر مرحلة انتقالية قد تقصر وقد تطول، ثم بداية إرهاصات الثورتين اليمنية والليبية، وظهور احتمالات لتغييرات في أكثر من بلد، توصلت مشاورات سريعة إلى قرار بتأجيل القمة شهرين لتصبح أواخر مايو، وبقيت بغداد العاصمة المضيفة، هذه المرة سقط أيضا احتمال انعقادها في بلد المقر – أي مصر – بسبب الظروف السياسية، ذاك أن هذا الاحتمال كان قائماً إلى جانب احتمال بغداد لاعتبارات عدة، أهمها أن معظم قادة الدول ليسوا مستعدين بعد للذهاب إلى العاصمة العراقية، لدواع كثيرة تراوح بين الموانع الأمنية حتى السياسية، وبين ما يقال همسا أو بعيدا عن الأضواء وهو عدم جواز انعقاد قمة – مبدئياً - في بلد عربي لا يزال – قانونيا – تحت الاحتلال، ويجدر القول إن هذا الهمس لم يتبلور في مواقف الدول صراحة، إلا أن الأسباب الأمنية كانت ولا تزال مقلقة للكثيرين الذين لا يخفون أيضا أنهم يشعرون عمليا بأنهم سيكونون تحت "رحمة الإيرانيين" كما يقولون. بديهي أن الجانب العراقي فطن إلى الأهمية القصوى لأمن القمة وضيوفها، ولديه كل الأسباب ليعتقد أن هذا الأمر ليس إشكاليا، باعتبار أن تحركات الوفود ستتم داخل المربع الأمني فائق الحماية أي داخل المنطقة الخضراء، فضلاً عن الاحتياطات الاستثنائية التي ستتخذ لتأمين الطريق من المطار إلى مكان الإقامة، وكل ذلك سبق أن جرب في أكثر من مناسبة، ولم يسبق أن تعرض أي وفد زائر لأي مفاجأة، لكن، على افتراض أن مختلف المسائل الإجرائية والتقنية حلت، تبقى عمليا قضية خارجة عن إرادة العراقيين، وهي: قمة في مثل هذه الظروف العربية، لماذا؟ النكتة التي جرى تداولها على الهواتف النقالة تتضمن جوابا: "قمة للتعارف" بين الرؤساء الجدد.. أما الإجابات الجدية فتذهب في اتجاهات شتى، منها ما يقول أن من الواجب المحافظة على القمة كتقليد دوري غير منقطع، حتى لو تعرض قسرا للتأجيل ولدواع معروفة، ومنها ما يقول بوجوب انعقادها بغض النظر عن مستوى تمثيل البلدان الأعضاء فيها، ومنها ما يقول إن هناك ملفات عدة ينبغي تجديد الموقف منها، ولا يجوز تغييبه، ليبقى ملائماً للدول العربية كافة ولو بشكل نظري، ومنها أخيراً، ما يقول إن هذه القمة ستكون مناسبة لمراجعة ملفات أخرى سبقت مقاربتها على نحو سطحي أو مبتور بسبب العقلية التي كانت سائدة، ومنها مثلا ملف الإصلاح والتحديث والتطوير. يعتقد مراقبون ومحللون أن الانتفاضات الشعبية لابد أن تنعكس على النظام العربي، الذي يفترض أن القمة تمثله، وبالتالي يستحسن أن تباشر الآن عملية تلمس التجديد المتوقع بعد التحولات الجارية، لكن هناك من يعترض بأن بغداد قد لا تكون المكان المناسب لمثل هذا النقاش المهم، الذي سينعكس بالضرورة على مشاريع تحديث الجامعة العربية وإعادة هيكلة مؤسساتها، ويأتي الرد على ذلك بأن الأساس في أي قمة هو التحضير الذي يسبقها في مقر الجامعة ومداولات وزراء الخارجية. هناك قضية أخرى ينبغي بثها سواء التأمت القمة أو تأجلت ثانية، ربما إلى أكتوبر، وهي أن منصب الأمانة العامة يشغر رسميا في أيام، لكنه بات شبه خال عمليا مع إعلان موسى ترشحه للرئاسة المصرية ودخوله عمليا في التحضير لحملة انتخابية طويلة ستقوده إلى مختلف أنحاء مصر، ما يعني أن التفكير في المرحلة المقبلة أصبح رهنا بشخصية الأمين العام الجديد ورؤيته لمهمته وطريقته في العمل. كان لمصر مرشح مسمى هو الوزير السابق مفيد شهاب، وقد أسقطته الأحداث ومرشح بديل هو الوزير السابق أبوالغيط، الذي أسقطته أيضا، ورغم الإصرار على بقاء الأمانة العامة في كنف مصر، اعتبر الباب مفتوحا مبدئيا لترشيحات من دول أخرى، وجاءت تسمية قطر للأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية خطوة في محلها، ليس فقط لإثبات وجود بديل جدي غير مصري، وإنما لمحاولة ضخ دم جديد في شرايين الجامعة وأمانتها العامة، لكن دول الخليج لا تريد أن يبدو ترشيح العطية وكأنه بدوره "إسقاط للنظام" على مستوى عربي، لذلك لا تزال الفرصة متاحة أمام مصر للتقدم بمرشح قد يكون نبيل العربي، وزير الخارجية الحالي، باعتبار أن الأمين العام يجب أن يكون بمستوى وزير، ولا مرشح مصريا آخر الآن بهذا المستوى.