10 نوفمبر 2025

تسجيل

الهدية الأخرى

11 يناير 2011

من الأشياء التي أصبح الناس يعتادون عليها تقديم الهدايا في بعض المناسبات، وأحيانا بلا مناسبة، كما استحدث البعض مناسبات جديدة لتقديم الهدايا بأشكالها. فأصبحوا يتفننون في أسلوب تقديمها وفي شكلها الخارجي الذي يولونه في بعض الأحيان اهتماما وقيمة أكثر من الهدية نفسها. ولكل إنسان فلسفته الخاصة في موضوع الهدايا، فمنهم من يفضلها غالية، بل هي مقياس مكانته لدى من يقدمها له، ومنهم من لا تعني له أكثر من مجاملة أو واجب، وتدل على تقدير صاحبها مهما كان ثمنها، ومنهم من يفضلها معبرة لها دلالات خاصة هو من يفهمها. وعند أي مناسبة وبينما تنهال علينا الهدايا، منها ماهي مغلفة بالواجب، أوما هي مغلفة بالمجاملة، والتي في كل الأحوال تنال التقدير منا لمن قدمها ولأي سبب، تكون هناك هدية أخرى قد أخذت مكانها الخاص في القلب، وليس لأي هدية أخرى مهما كان ثمنها أن تأخذ مكانها فيه. والهدية الأخرى التي تحتل هذه المكانة لدينا قد تكون سعادتنا الحقيقية، مهما سبب لنا رؤيتها والاحتفاظ بها أحيانا من آلام، لأننا بين حين وآخر نجد أنفسنا وقد أخذنا الشوق لأن نلقي عليها النظرة التي تجعلنا حائرين لإدراجها تحت أي مبرر، أهي نظرة شوق وحنين لأصحابها، أم نظرة تقذف في روحنا الروح فتعيد لنا سعادة، أم أنها نظرة لأننا نحتاج أن نبكي قليلا، أم أنها النظرة التي تستعيد بها الذاكرة لحظات لا تنسى من الماضي، أم أنها نظرة نطمئن بها عليها، وبأنها مازالت في مكانها الآمن لم تمتد لها يد، وقد تكون النظرة التي نلقيها لكل تلك الأسباب جميعها. ومهما تعددت الأسباب إلا أنها الوحيدة التي لا تضاهيها كل هدايا العالم، وقد تكون تلك الهدية ما هي إلا ورقة مهترئة عليها بضع كلمات، أو وردة ذابلة احتضنتها أوراق كتاب، أو زجاجة عطر نحتفظ برائحة آخر قطرة منها حتى آخر العمر. ورغم كل ما أقتنيه من هدايا على اختلاف المناسبات، إلا أن الهدية الأخرى التي استأثرت بأعمق مكان في القلب هي عطر أبي الذي أهداه لي قبل رحيله بأسابيع قليلة، ورغم أنه أهداني نفس هذا العطر وهدايا أخرى كثيرة، إلا أن العطر الأخير هو من سحب البساط من كل تلك الهدايا، وأصبح مبعث حب وحزن وشوق وذكرى عطرة. وهناك الكثيرون أيضا ممن وراءهم هدية أخرى، منهم من كانت تحتفظ بخاتم جدتها الذي أهدته لها قبل وفاتها، وآخر احتفظ بأول ساعة قديمة متواضعة أهداها له والده عند تفوقه في المرحلة الابتدائية وحفظها مع كل ما امتلك بعدها من ساعات ثمينة عندما أصبح ذا مكانة عالية مرموقه. ودائما ما أتذكر السيدة التي قالت لي انها تحتفظ بمنديل ورقي كتب عليه زوجها الراحل لها كلمات رائعة أتبعها بتوقيعه الشخصي، وأنها تحفظه في خزانتها الحديدية التي تحتفظ فيها بأثمن ما تملكه من مجوهرات، وإن زيارة هذا المنديل الورقي بين فترة وأخرى وقراءة ما فيه هو أثمن ما تبقى لها في الحياة. فهل حقيقة أن الحياة والأحداث هي ما يعطي الهدايا القيمة الحقيقية، ويدرجها في خانات إبتداء من الخانات المفتوحة إلى المغلقة بأقوى الأقفال؟ فما تثبته لنا الأيام يقول ذلك، وإن الهدية الأخرى هي ما يرتبط لدينا بظروف خاصة، وإن مرور الزمن والأحداث هو ما يصنع الهدية الأخرى في حياتنا، فيجعلها بمرور الأيام تعني لنا الكثير. دعوة لزيارة هديتك الغالية، وإلقاء أي نوع من النظرات عليها، أو قد تكون كل أنواع النظرات. ومهما كانت تبعث على الشجن أو الألم، فقط.. كن سعيدا لأن لديك هدية أخرى تختلف عن كل الهدايا. [email protected]