05 نوفمبر 2025

تسجيل

في الاعتبار بالكوارث من أجل مصير عربي أفضل!

10 ديسمبر 2021

كلما ادلهمَّ الليل العربي بالأزمات ومحاولات إجهاض كل ربيع واعد إلا وتذكرت مقترحات حضرة صاحب السمو أمير قطر الشيخ تميم حفظه الله، بشأن جمع العرب حول مشروع مشترك يحمي أمنهم -إيمانا من قطر أن أمن العرب مشترك ووحدة لا تتجزأ- ثم اقتراح سموه عقد مؤتمر عالمي لتحديد قانوني دولي لما يسمى الإرهاب على خلفية تمسك الدبلوماسية القطرية بإعادة النظر في ميثاق جامعة الدول العربية والحفاظ على مجلس التعاون قلعة منيعة للخليجيين جميعا. وطبعا أشعر بالأسف من أن بعض العرب لم يستمعوا لهذا الصوت الجريء الصادق بما يغير من منكر الأوضاع العربية! رغم أن الأيام أعطته مصداقية والأحداث عززته! لكن فداحة الكارثة تُغرق الكلام والمقال والخطاب الشعبوي من بعض الغافلين العرب في بحر اللامعنى واللاجدوى. كل أصحاب الفكر والقلم يُحسون بما أحس هذه الأيام: موجة من الشعور بالعبث وانعدام التأثير العربي على الأحداث؛ وهي موجة نفسية لعلها عابرة ومؤقتة، ستظل تربك الكاتب وتلجم المفكر وتعطل المحلل. لكن فداحة الكارثة لابد أن تبقي على وعي العقل وأن تشحذ البصيرة وأن تضيء هذا الليل العربي المدلهم بجذوة الشعور بالمسؤولية. فنتساءل ماذا جرى؟ وماذا يمكن أن يكون المصير العربي في ضجيج اللحظات الراهنة ودوي قنابل إسرائيل على شعب غزة والجولان والضفة الغربية وسوريا وعلى مشاهد جثث الشهداء والشهيدات وعلى صراخ أطفالنا الأيتام ونداء نسائنا الثكالى... وعلى ركام ما تبقى من جنين ومن نابلس ومن رام الله ومن أوطان كانت آمنة مطمئنة كالعراق واليمن وليبيا وسوريا ؟؟ ماذا جرى لذلك الصرح العالي من أماني السلام ووعود الدولة الفلسطينية منذ مسيرة مدريد وأوسلو وكامب ديفيد وشرم الشيخ والخطب الرنانة التي ألقيت في حديقة البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر 1993 بالمصافحة الشهيرة بين عرفات وإسحاق رابين (بعد أن أغتيل الرجلان من قبل نفس الأيدي الصهيونية المتطرفة المارقة عن القانون الدولي؟) وتلك التي سمعناها في حفل تسليم جائزة نوبل بالتساوي بين ياسر عرفات وشيمون بيريز؟ وماذا بقي من مشاهد ياسر عرفات وهو يقسم بأن يدخل قبله (ايهود باراك) رئيس حكومة إسرائيل آنذاك في أحد بيوت كامب دافيد بينما كان الرئيس كلينتون يبتسم منتصرا؟ ماذا بقي بعد هذا الدمار الذي كان بمثابة جواب على خطة السلام العربية بعد ساعات قليلة من إعلانها في بيروت؟ أقصد خطة المرحوم طيب الذكر الملك عبدالله سنة 2002. ماذا بقي من أحلام العزة والمنعة والاستقلال تراود خاطر زعماء السلطة ممن يطلق عليهم اسم «التوانسة» لأنهم قادمون من وطنهم الثاني تونس وقد استقروا به منذ سبتمبر 1982، حين حرك شارون، نفس شارون المجرم القاتل، ضدهم أعتى آلة عسكرية احتلت لبنان ودكت مدنه وقراه، واعتقد شارون، نفس شارون، أنه ينهي المقاومة الفلسطينية ويطلق عليها رصاصة الرحمة الأخيرة بإرسال "أبوعمار" وكل رموزها الى أكناف المغرب العربي... بعيدا جدا عن أرض المواجهة. وفي تونس وتحت قنابل مقاتلات (الإف 16 كذلك، نفس الاف 16)، التي دكت مقر منظمة التحرير الفلسطينية يوم 1 اكتوبر 1985 في قرية حمام الشط على بعد 16 كيلومترا عن قصر الحبيب بورقيبة بقرطاج... جواب إسرائيلي على عملية الباخرة أكيلي لورو... تعلم قادة فلسطين النظر الى قضيتهم من زاوية أخرى مختلفة، وقد شاءت لي الأقدار شخصيا أن أعيش قضية فلسطين من خلال لقاءاتي العديدة والغنية بالمعرفة بكثير من رموز النضال حينما كنت في تلك المرحلة أتحمل بعض المسؤوليات السياسية التونسية، ومن بينها رئاسة تحرير صحيفة الحزب الحاكم وكثيرا ما جمعتني لقاءات طيبة مع طيب الذكر المرحوم خليل الوزير أبوجهاد، مع صديقنا الدبلوماسي المتميزحمادي الصيد، الذي كان يشغل منصبا إعلاميا رفيعا في جامعة الدول العربية برئاسة أمينها العام آنذاك الأستاذ الشاذلي القليبي. وكان أبوجهاد الذي اغتالته بعد ذلك مجموعة كومندوس صهيونية بقرية سيدي بوسعيد في يوم مشهود... كان يحلم بالسلام الحقيقي العادل، وكان يعتقد بأن طريق المقاومة هي التي توصل شعبه الى ذلك السلام، وآمن بأن الانتفاضة الأولى ما هي إلا (بروفة) لتعبئة أكبر وأعمق تبلغ بالشعب المضطهد الشهيد ميناء الخلاص والنصر والحق. واليوم... ونحن على مفترق الطرق الصعبة الشائكة أعتقد أنه من الأفضل لنا نحن العرب ألا نفقد التوازن بكل أبعاده السياسية والثقافية والنفسية لنعبر هذا الجسر المكسور بأمان. علينا ألا نضيع التوازن تحت ضربات عدو شرس وقوي بالقوة العسكرية وحدها... فغاية هذه الحرب الشريرة الدائمة على المدى البعيد هي إفقاد العرب لنعمة التوازن ونعمة العقل حتى نستدرج للانخراط في مخططات «الخلاص الوهمي» هربا من واقعنا ومن أنفسنا نحو المجهول الذي أعد لنا... خارج دائرة التاريخ وخارج فلك العولمة. ولعل أكبر معركة تنتظرنا هي معركة الاستراتيجية الإعلامية والدبلوماسية العربية التي ستفتح لنا ضمائر وقلوب الرأي العام العالمي وتحديدا الغربي والأمريكي... لأننا فتحنا بالمقاومة البطلة الصامدة في جدار الخوف والصمت ثغرة هائلة من خلالها بدأنا نخاطب الناس ونطرق أبواب معتقداتهم الخرافية عنا وعن قضايانا وننفض الغبار عن الصور النمطية الخاطئة الجائرة التي رسخها الإعلام الصهيوني والعنصري المتعصب ضدنا في العقول الباطنة، بداية من أقراص «البلاي ستيشن» للعب الأطفال الى الكتب الموسوعية الجامعية مرورا (بالسي دي روم) وبرمجيات الكمبيوتر وبرامج الفضائيات والأقراص ذات الصور والرسوم ثلاثية الأبعاد... كل ما يمكن أن يدمغ العقل الأمريكي والأوروبي الباطن استعمل ضدنا وأداننا وسوغ الحرب والعدوان علينا. وهي معركة إعلام خسرناها لأن الإسرائيليين سبقونا إليها بنصف قرن وجاءتنا الصحوة متأخرة.. واليوم يجربونها من جديد لدفع بايدن إلى حرب بالوكالة تشنها الولايات المتحدة على إيران!!. لكنها جاءتنا على كل حال وبدأنا ندرك فداحة الخسائر في معركة الإعلام. فهل أطلب الكثير حين أرجو الزعماء العرب، ربما من خلال جامعة الدول العربية! ومنظمة الوحدة الاسلامية، أن تجمع أهل الرأي ورجال الإعلام والذين يتعاملون مع الرأي العام الغربي بصورة أو بأخرى لوضع الخطوط الكبرى لاستراتيجية إعلامية وأخرى دبلوماسية عربية... هي اليوم حالة ملحة في منتهى الخطورة والأهمية حتى نوظف هذه الكوارث على الأقل لخدمة مصير عربي واحد... مهدد بما يحدث لنا؟! فنحن مهددون جميعا ولوعلى مراحل... لا في رفاهيتنا ولا في تقدمنا بل في بقائنا كأصحاب حق وأصحاب حضارة. [email protected]