08 نوفمبر 2025

تسجيل

الفرق بين الثرثرة والنقد البناء

10 ديسمبر 2020

تمثل الحالة النقدية حالة صحية لأي مجتمع، ولا يمكن تصور المثقف أياً كان سوى أن يكون ناقداً باحثاً عن الأقرب إلى الكمال قدر المستطاع، ولكن النقد ذاته لكي يسمى نقداً يحتاج لأن يكون المجتمع نفسه مجتمعاً معافى؛ يتعافى بالنقد ومع النقد ويتفاعل معه كذلك بإيجابية وفاعلية، والأمر لا يستوي إلا في حال تكامل مكونات المجتمع الحقيقية من سلطة ومجتمع مدني وآخر أهلي تدعم جميعها الدولة وتقوي بنيانها. عندما يتحول النقد إلى حالة من القرف والغثيان والاقتتال وربما أبعد من ذلك إلى تشرذم وانطفاء الحالة الإنسانية وبروز المرجعيات الأولى يدرك المرء أن المجتمع يعاني مرضاً وهو بالضرورة غياب المجتمع المدني ومؤسساته، لأن السلطة دائماً لا تغيب إلا في حالات نادرة، ولذلك تتأثر الحالة النقدية ويظهر عليها أعراض المرض وتصبح حالة مرضية، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تزايد النقد وتشظيه وافتقاد المجتمع للقوة الدافعة والوسيلة الفعالة (برلمان - صحافه حرة - نقابات مهنية الخ) لكي يتجذر بوصفه مطلباً شعبياً. ويدخل المجتمع في معارك خادعة للتصفية وتحديد المراكز لإثبات الوجود لشعور الجميع باللاقيمة لانفصام الواقع وعدم تأثره بذلك، وبالتالي سيادة الشخصية الدون كيشوتية الباحثة عن البطولة بأي ثمن، وجراء ذلك يسحب الواقع المنفصم اللغة والثقافة إلى جانبه رويداً رويداً؛ ليتحول الوضع إلى مجرد مجاراة وتصفيق للموجود حتى على حساب ما كان يمكن أن يوجد أو يتحقق. حينما يتحول النقد ليصبح هدفاً في حد ذاته وينتقل الواقع الفعلي ليبدو حالة ذهنيةً يعيشها المجتمع ولا يستطيع التأثير فيها تنتفي بالضرورة مهمة النقد الأساسية ويصبح وسيلة في يد السلطة للتمرير والتوازن تحت شعار ديمقراطي أياً كان شكله. ثمة حالة وسط تعيد التوازن للأمور أشرت إليها مسبقاً يتحول معها النقد إلى إجراءات وخطوات ووسائل في اتجاه خير. ثمة مستوى وسيط يتبنى إطروحات المجتمع ويتدارسها ويحولها بعد تبنيها إلى اقتراحات قانونية تصب في مصلحة المجتمع وأفراده. معظم التشريعات المهمة والعظيمة في تاريخ الدول كانت في بداياتها رأياً أو نقداً لوضع تلقفته أدوات المجتمع المدني سواء أكانت برلمانات أم صحافة حرة أم نقابات بأشكالها وتبنته؛ ليتحول بعد ذلك مع الدورة الديمقراطية المعروفة إلى اقتراحات ومن ثم قوانين وتشريعات يشمل مدى تأثيرها الإيجابي حيث شموليتها المجتمع بأسره. ثمة آليتان لابد من المرور بهما لمجتمعنا نستطيع معهما تحويل الثرثرة " الناقدة إلى الطريق الصحيح والفعال نفعاً للوطن ودعماً للقيادة. أولهما: تحكيم الدستور واحترامه والأخرى: ترك بذور المجتمع تنمو دون تدخل وتحول الدولة إلى دور المنظم فقط وابتعادها عن دور الصانع أو الفارض له ؛ لكي يثمر مجلساً نيابياً فعالاً اكتمل نموه أو في طريقه إلى ذلك. إن إرادة الدولة الحقيقية نابعة أساساً من مجموع إرادات أفرادها وعددهم دون استثناء. [email protected]