06 نوفمبر 2025
تسجيلحصل حديثٌ طويل ومتشعب في وسائل التواصل الاجتماعي حول خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ، في افتتاح دور الانعقاد العادي الرابع والأربعين لمجلس الشورى يوم الثلاثاء الماضي. وهذا الحديث مبرر لأن الخطاب يتصل بالإنسان.ولقد تناول عدد من المعلقين والمتداخلين على الخطاب الواقعي والعقلاني بصورة عاطفية لم تلائم الجوانب الهامة التي وردت في الخطاب ؛ وهو من أبلغ الخطابات التي ألقاها سموه ومن أقربها للمواطن وهمومه. وسوف نتناول بعض ما جاء في جوهر وقيمة الخطاب الذي اتسم بالواقعية والموضوعية ، حيث حفل الخطاب بالعديد من القضايا المحلية التي تمَس المواطن والوطن، ولعل أهم تلك القضايا : عدم التسامح مع الفساد الإداري والمالي أو استغلال المناصب. وهذه إشارة واضحة تدلل على أهمية التصدي للظاهرة وعدم السماح باستتارها خلف حُجبٍ قاتمة . ونحن مجتمع ليس كله من الملائكة ، لذا ، كان لا بد من الإشارة الحازمة من سمو الأمير، وهي إشارة تحذيرية لأي كان من أن يتعدى على المال العام بحُكم المنصب أو ممارسة الفساد الإداري الذي يُمكن أن يستتر بدعاوى وحيثيات يُتقن "دهاقنة" القانون أو المستشارون تدبيجَها لتبرير الفساد. وفي هذه الجزئية بالذات لا بد وأن نتوقف قليلاً عند حالات العَسَف التي طالت بعض المواطنين بحكم ممارسة المسؤول ، ولم تدافع عنهم أية جهة ! وتم إقصاء بعض المواطنين " مِزاجياً " لأن المسؤول لا "يستمزجهم" ، وتم إبعادهم عن المشاركة في تخصصاتهم – التي تفيد المجتمع - دون حق ودون أن توجه لهم تهمة أو يدينهم القضاء . كما أن المحاباة والمقاربات الاجتماعية تشكل نوعاً من الفساد بحيث لا يصل الرجل المناسب إلى المكان المناسب - في بعض الحالات- ، بل إن بعض المتخصصين يتم حرمانهم من المشاركة في اللجان المتخصصة !. فكان لا بد من أن نوضح أن الفساد الإداري مُتموضع دون أن يكشفه أحد ؛ وتجبن وسائل الإعلام أن تتحدث عنه مجاملة للمسؤول، وعدم تحقُق المكاشفة . وهذا نوع من الفساد أو استغلال المنصب الذي حذّر منه سمو الأمير.ولقد أشار سمو الأمير إلى قضية المُواطنة ، وهذا موضوع هام ومؤثر ولا تتحدث عنه وسائل الإعلام ، " الُمواطنة ليست مجموعة من الامتيازات بل هي أولاً وقبل كل شيء انتماء للوطن ، ويترتب على هذا الانتماء منظومة من الحقوق والواجبات تجاه المجتمع والدولة." وبالطبع لا يكون هنالك انتماء للوطن دون أن تتحقق اشتراطاتُ المُواطنة في مقابل الالتزام بالواجبات تجاه المجتمع والدولة. وفي هذا الموضوع كلام كثير قد لا يتسع المجال له. ولكن لا بد من الإشارة إلى موضوع العدالة الاجتماعية، ومبدأ تكافؤ الفرص، وسواسية المواطنين، وغيرها من القيم التي نصَّ عليها الدستور، ولكن - في بعض الحالات - يتم تغييبها لمقاربات خاصة. ولقد فسَّر سمو الأمير المُواطنة بالآتي :" المُواطنة مسؤولية أيضاً ، من حق المواطن أن يستفيد من ثروة بلاده، ولكن يفترض أن يسأل المواطن نفسه ، من حين لآخر، ماذا أعطيت أنا لبلدي ومجتمعي؟ ".وهنا تتضح رؤية سمو الأمير للإنسان الصالح، المنتج، الوفي . إذ لا يجوز أن يتمتع بثروة البلاد من لا ينتمي للوطن أو لا يعطي لوطنه المطلوب منه ؛ لأن هذا واجب. ولكن أيضاً نقول ، وبكل واقعية ، يجب توفير الوسائل التي تجعل كل المواطنين منتجين ! وهذا دور المسؤولين. وهنا نعود إلى أهم قيم الخطاب السامي ، وهو عدم استغلال المناصب . ونرى أهمية وضرورة أن تكون هنالك هيئة تبت في الانتهاكات التي " تجرح" المُواطنة ، وتُعثّر خطوات المواطن في الإنتاجية ، أو ما يتوقعه مجتمعه ووطنه منه. ولا ضير في فتح الملفات المنسية لهذه القضية ونحن في عهد المكاشفة والمصارحة . فهنالك مواطنون حُرموا من ممارسة الإنتاجية التي يحتاجها مجتمعهم.نقطة هامة وردت في خطاب سمو الأمير، ألا وهي : تلمُس سموه لاحتياجات المجتمع والرفاهية للشعب ، استناداً للدستور: " والحفاظ على المقومات الأساسية للأسرة والمجتمع وتعزيزها ، والموازنة الخلاقة بين احترام حقوق المواطن والصالح العام للمجتمع والوطن ، وتوفير أسباب الحياة الكريمة للمواطن القطري في حاضره ومستقبله".وكان بودي لو تم شرح هذه الفكرة في خضم التعليقات والمقالات الطويلة التي نُشرت في هذا المقام. ذلك أن احترام حقوق المواطن والصالح العام للمجتمع لا ينفكان عن بعضهما البعض . فالمواطن جزء من الوطن ، وإن هُضم حقُ هذا المواطن – تحت أي ظرف من الظروف – بانَ الخلل في التوازن وانفكت عُرى الوشائج ، وسقطت قيمة المُواطنة. وبطبيعة الحال، فإن استغلال المُواطنة بالاجتراء على الصالح العام للآخرين أو الوطن هو بحد ذاته يزيد في الخلل، ولا بد من مواجهة ذلك عبر القضاء.حرص سمو الأمير في الفقرة الأخيرة أعلاه على ( توفيرأسباب الحياة الكريمة للمواطن القطري في حاضرة ومستقبله) ، أيضاً لم تكن علامة إنشائية ، بل كانت تلمُساً من سمو الأمير ليس لاحتياجات الجيل الحاضر بل لمستقبل الأجيال، وهذا أيضاً له دلالاته العديدة فسّرها خطاب سموه عندما تحدث عن الأوضاع الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل والمبادرات الاقتصادية ودور رأس المال المحلي في تطوير الاقتصاد الوطني.بصراحة، جاء الخطاب متوازناً، جديداً في الأفكار، مُتلمساً ظروف البلاد، ومُطمئناً بوضع اقتصادي جيد ، في ذات الوقت، كان بودي لو كانت المعالجة الإعلامية لمضامين الخطاب أكثر عمقاً وصراحة، كما هو حال الخطاب السامي الذي ارتقى فوق تلك المعالجة.وحفظ الله بلادنا من كل شر ، ووفق سمو الأمير في قيادة بلادنا نحو ما يأمله لها من تقدم وأمن ورخاء.