08 نوفمبر 2025

تسجيل

مجتمع المناسبات

10 أغسطس 2020

تشكل الوعي المجتمعي بعيداً عن المصلحة العامة يدخله في إطار مجتمع المناسبة بامتياز، بمعنى أنه يخفي ما يمليه عليه وعيه في عقله الباطن أو في اللاوعي بقدر ما ينساق إلى شكلانية ما يفرضه عليه واقعه من مسايرة. تشكل المناسبة الاجتماعية مظهراً اجتماعياً كبيراً في مجتمعاتنا لأهميتها، بل إنها تعتبر معلماً تنفرد به هذه المجتمعات دون غيرها، فهي رمز للتآلف والتآخي والترابط بين أفراد المجتمع، وهى من لبنات المصلحة العامة بلا شك، ولكن عليها ألا تكون هي كل ما يمثل المصلحة العامة، لأن مفهوم المصلحة العامة أكثر شمولية من مظاهر المناسبات أياً كان نوعها. في المناسبة تشيع ثقافة غير ناقدة بحكم المناسبة وتحتمل التماثل والتجامل والتسامح إلى حد الانصهار أو الانسحاب، في حين أن المصلحة العامة قد تقتضي المصارحة والنقد والاختلاف، فلذلك من الضروري تواجد مجتمع المصلحة العامة ومناسباته إلى جانب مجتمع المناسبة الاجتماعية وثقافته. انفراد الأخير بالمجتمع يحوّله إلى قشور غير معبرة عن واقعه الحقيقي، وبالتالي يفتقد المجتمع نقد الذات والتطور، فتشيع بالتالي ثقافة الصورة الجامدة لشخوصه كالتي نشاهدها في الأعراس وتتشابك الأيدي وكأنها في الصلاة دلالة على الالتزام بالمناسبة وعدم الخروج عن المألوف بعيداً عن ثقافة الرأي والحركة. المنهج الجدلي الذي يفرز من النقيضين رأياً جديداً غائباً تماماً عن مجتمع تنفرد به فقط المناسبة الاجتماعية، حتى المنهج القرآني لا يعول على الثبات الذي يقوم ويرتكز عليه مثل هذا المجتمع، هذا المجتمع سيظل ناقصاً ما لم تتزاوج المناسبة الاجتماعية وثقافتها بثقافة المصلحة العليا الناقدة التي تتجاوز الأفراد إلى مصلحة المجتمع ككل، وتتحول بالتالي هذه الثقافة إلى مناسبة اجتماعية وتبدو صورها مختلفة تظهر فيها الحركة والمناظرة والحوار. مفهوم المصلحة العامة مفهوم جلل بل هو ثقافة بحد ذاته وهو فسيفساء لا يعرف الاحتكار لفئة دون غيرها ولا يعرف الثبات بحكم تغير الظروف والأحوال ولا يغني عنه ولا يمثله شكل أو مظهر واحد تحتدم فيه الآراء والتوجهات لتنصهر أخيراً في هدف أسمى هو مصلحة الوطن، أي أنه مفهوم ديناميكي صورته متحركة غير ثابتة تقبل الرأي والرأي الآخر. وإلى أن يشيع مثل هذا المفهوم ويصبح ثقافة معاشة لا مستهلكاً إعلامياً سنبقى مع مجتمع المناسبة الاجتماعية وقدسية الصورة الجامدة التي الجميع فيها يضعون الأيادي فوق بعض وكأنهم في صلاتهم قائمون.