10 نوفمبر 2025
تسجيلأجمل ما في الشعب المصري الشقيق أنه ما إن يستفيق من الضحك حتى يعيدك للضحك من جديد من خلال نكات تختصر المشهد المؤلم للحياة العامة التي يشهدها عالمنا العربي عموما ومرآته الكبرى مصر التي أصبحت سدة الرئاسة فيه لا ترتبط بالقيم الرئاسية العظيمة، فكرسي الرئاسة تحول إلى "كنبة" بمقاعد متعددة، يمكن لأي من الجالسين عليها أن يفسح المكان لغيره في أقل من الوقت المتوقع لمعرفة نتائج الإنجاز الذي سيقدمه، وها هو الرئيس السيسي يجلس على كرسي الرئاسة وسط مهرجان طويل من الواقع الساخر لأشقائنا المصريين، المؤيدين للرئيس السيسي أو المناهضين لحركة الانقلاب على الشرعية الشعبية.أجمل نكتة قد تسمعها هذه الأيام هي ما وردتني عبر "إسكتش" يبشر بحظك "يا أبو الحظوظ " للفوز بفترة رئاسية لمدة عام في أكبر بلد عربي، مصر العزيزة، النكتة تقول: في رمضان 2010 كان رئيس مصر محمد حسني مبارك، في رمضان 2011 كان رئيس مصر هو المجلس العسكري، في رمضان 2012 كان رئيس مصر محمد مرسي، في رمضان 2013 كان رئيس مصر عدلي منصور، في رمضان 2014 رئيس مصر هو عبد الفتاح السيسي. "إنت كمان ممكن تكون معانا رمضان الجاي، فقط أرسل كلمة حلم على الرقم الظاهر وهتفوز معانا بمنصب الريس".من وحي هذه النكتة السياسية المرّة نرى أن كل شيء في هذا العالم العربي أصبح يتضاءل ويتصاغر إلى درجة التفاهة، فلم تعد هناك قيمة ولا هيبة ولا شروط للمناصب التي كانت حصرا للعمالقة من أهل السياسة والقيادة وقادة الثورات الكبرى وزعماء الأحزاب وحركات التحرر والمتطلعين إلى قيام الدولة الكبرى بإنجازاتها وسيادتها على أراضيها، والتي يسجل قادتها أسماءهم في سجل التاريخ المشرف من خلال إنجازاتهم التي ينهضون من خلالها بشعوبهم وبلادهم وأمتهم، وينافسون الدول المستقرة سياسيا والمرتقية ديمقراطيا في العالم، بل أصبح منصب رئيس الدولة أقل شأنا من منصب رئيس مجلس إدارة شركة مالية أو صناعية كبرى، بفضل المنافسة غير المنضبطة التي يدعمها العسكر دائما للإبقاء على امتيازاتهم حتى ولو قتل نصف الشعب.في خطابه الأول بعد تنصيبه رئيسا جديدا، لم يتطرق المشير عبد الفتاح السيسي إلى الشهداء الذين قدموا بأرواحهم سدة الحكم إليه وإلى من قبله ومن سيأتي بعده، وذهبت دماء الآلاف من أبناء مصر هدرا وهم الذين ثاروا على حكم الرئيس مبارك الذي جثم على صدر مصر عقودا ثلاثة، لم يستطع أحد أن يزحزحه من على مقعده حتى في فترة مرضه الذي كان يخشى أن يقضي عليه، فقام الشباب المصري بالثورة لتحقيق أحلامهم بمستقبل مشرق يلبي طموحاتهم في الخلاص من القهر والفقر والفساد المستشري والإقصاء والطبقية والتبعية السياسية والكذب والتدليس الإعلامي الذي ضلل الرأي العام لسنين طويلة، ولكن أحدا ممن صاغوا الخطاب الأول للرئيس الجديد لم يخطر بباله أن يشير ولو بعبارة واحدة لبناة الثورة الذين بنوا مصر جديدة فوق جثثهم.ولعل السبب في عدم التطرق للشهداء والجرحى والمغتصبين جسديا وفكريا وسياسيا هو عدم الزج بقضيتهم في المرحلة الجديدة التي لا تعترف بالفضل لأحد، كما قال السيسي بلسانه خلال الخطاب الذي لم يأت بشيء جديد أو يغير النمط الخطابي لجميع الرؤساء. فالسيسي قال إنهم لا يدينون لأحد بفضل ولا يتمنن عليهم أحد، مع أنه قدم الشكر لبعض الدول العربية ورأينا كيف هبطت مليارات الدولارات على خزينة النظام المصري من دول شقيقة لدعم مخزونها الفارغ، ثم لا يخجل أحد من القول إن لا فضل لأحد علينا، أما من نصحهم وعارض عملية السطو على الديمقراطية فلم ينسوا أن يسيئوا لهم، وأن يشتمهم أفواه الإعلام النابحة عبر الفضائيات دون خجل من مواقفهم المتقلبة في الأحضان.نتمنى أن تنحى مصر إلى برّ الآمان، وأن يجلس الجميع بهدوء اليوم، ليفكروا في مصر التي أساء من حكموها، سرا وعلانية، لتاريخها ولتاريخ قضائها وإعلامها، فلأن انتخب جزء من المصريين السيسي رئيسا، فإن هناك من لم ينتخبه وهم كتلة كبيرة من المصريين، ولهم الحق في أن يراقبوا أداءه لمدة عام، ويقارنوا إنجازاته على أرض الواقع، ويطالبوا بعدما فاز من أراد بحكم مصر، أن يعيد الهيبة لمنصب الرئاسة، وللقضاء الذي أصبح مسخرة، وأن يلجم "إعلام الرداحات"، وإلا فإن الوباء سيعود للانتشار سريعا، ولن نجد وقتا للنكت والضحك من جديد.