10 نوفمبر 2025
تسجيلكنت قد كتبت عن الباحث الياباني الجاد نوبو أكي نوتو هارا الذي أصدر كتابا صغيرا لكنه بالغ الأهمية، والكتاب بعنوان "العرب- وجهة نظر يابانية"، وقد كتبه مؤلفه بلغتنا العربية التي يتقنها بصورة مذهلة، وكأنه لم يولد في طوكيو، وإنما ولد في بغداد أو دمشق أو القاهرة أو القيروان، والحقيقة أنه استطاع رصد عيوبنا من خلال معايشته العميقة لأوضاعنا العربية وكثرة زياراته للعديد من دولنا العربية في المشرق والمغرب على حد سواء، وقيامه بترجمة روايات عربية متنوعة لكبار كتابنا العرب الذين ارتبط بصداقات مثمرة مع كثيرين منهم.وباعتباري واحدا من أبناء العروبة، فإني توجهت- في خاتمة ما كنت كتبته- بتحية التقدير للباحث الياباني الجاد، لأنه أهدى لنا – نحن العرب- بعض عيوبنا، ومن زاوية أخرى فإني ذكرت أن لي صديقا عربيا حميما عاش في اليابان على امتداد عشر سنوات، وقد تساءلت: هل استطاع هذا الصديق العربي أن يهدي لليابانيين بعض عيوبهم، أم أنه عاش هناك مبهورا ومسحورا بعالمهم؟ لكني لم أتوقف عند هذا الصديق وحده، فقد توافدت على ذهني – بصورة تلقائية- أسماء كثيرين آخرين، أذكر منهم الدبلوماسي القطري المخضرم أحمد بن سيف المعضادي الذي يتقن اللغة اليابانية رغم صعوبة كتابتها ونطقها، وقد أتيح لي أن أسعد بلقائه مرة واحدة في مكتب أخيه الإعلامي القدير الراحل عبد الرحمن بن سيف المعضادي عندما كان رئيسا لتحرير جريدة جلف تايمز، وبكل أسف، فإني لم أستطع التعرف على وجهة نظر أحمد بن سيف المعضادي في اليابان واليابانيين، لأن اللقاء كان سريعا وأشبه ما يكون بالومضة الساحرة العابرة.وممن عاشوا في اليابان ممن أعرفهم الدكتور حسن حنفي والدكتور صبري حافظ الذي صدر له ضمن سلسلة "كتاب الدوحة" كتاب يروي فيه تجربته الإنسانية عندما عاش في اليابان، أما الصديق الكبير الناقد الجاد الدكتور عبد المنعم تليمة، فقد عاش في اليابان على امتداد عشر سنوات، وكنت قد التقيت معه بعد عودته للوطن، وأخبرني أنه يستعد لإصدار كتاب عن الأحداث التي مرت عليه خلال عمله في اليابان، ومن خلال حوار مطول معه أستطيع القول إن عبد المنعم تليمة يمثل الوجه المقابل للباحث الياباني الجاد نوبو أكي نوتو هارا. ومما قاله الصديق الكبير في ثنايا هذا الحوار: رحلت إلى اليابان وعشت هناك عشر سنوات أستاذاً زائراً بجامعة أوساكا للدراسات الأجنبية، وقمت مع المستعربين اليابانيين بنقل خوالد التراث العربي الإسلامي إلى اليابانية: القرآن الكريم، مروج الذهب للمسعودي، مقدمة ابن خلدون، رحلة ابن جبير، ألف ليلة وليلة، وبدائع العرب المحدثين: طه حسين، جبران خليل جبران، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، يوسف إدريس، محمود درويش، صلاح عبد الصبور...إلخ. وأنجزنا الحوار الإسلامي/ البوذي، والحوار العربي/ الياباني، ولا تزال صلتي قوية باليابان، خاصة في حقول الفكر والفن والأدب.منذ عدة أيام، وعبر مكالمة تليفونية مطولة، أخبرني الصديق المثابر مروان معروف رفيق أنه عائد لتوه إلى الدوحة من رحلة سريعة إلى اليابان، لم تستغرق أكثر من أسبوع واحد، وأنه ما زال مبهورا كل الانبهار بحدائق الورود والأزهار التي يتشكل منها- مجتمعة- الربيع الياباني، وبالطبع فإن اليابانيين أجمعين- صغارا وكبارا- يقيمون ما يشبه الكرنفالات ابتهاجا بهذا الربيع الياباني البديع، وعلى الفور قلت له مداعبا: إن الربيع الياباني يختلف بالطبع عن ثورات الربيع العربي عندنا، فهناك فارق هائل بين الإنسان الذي يتأمل بهاء زهرة أو يستنشق رائحتها العطرية المسكرة، وبين الإنسان الذي يبيح له عقله المنغلق أن يقتل أخاه الإنسان لمجرد اختلافه معه في فكرة من الأفكار أو رأي من الآراء!