05 نوفمبر 2025
تسجيلعبارة (امتحان الربيع العربي) استعرتها من الصحفي الأمريكي (ديفيد سانجر) الذي عنون بها مقاله القيم في صحيفة (نيويورك تايمز) ليوم 2 مارس الجاري والتي حلل فيها ما سماه عقيدة أوباما في الملف الشرق أوسطي أي بإزاء العلاقة التفاعلية بين مسار الثورة السورية وبين التعاطي مع الحالة الإيرانية. ويعتقد الكاتب أن البنتاجون نصح البيت الأبيض بالسعي إلى تكثيف العقوبات المسلطة على طهران وتشجيع العمليات السرية ضد منشآتها وعلمائها (بأيد إسرائيلية) وتحريك آليات حراك شعبي داخلي إيراني شبيه بالربيع العربي والتهديد بالخيار العسكري الأمريكي (وهو ما فعله أوباما يوم السبت الماضي) وأيضا التسريع بإسقاط النظام السوري عوض تقرير ضربات عسكرية فعلية ضد المفاعلات النووية الإيرانية. والسبب هو أن الولايات المتحدة تدرك حجم الكارثة المتوقعة من جراء حرب (أمريكية – إسرائيلية) على إيران تكون تداعياتها إقليمية ودولية. فإقليميا سيتأثر المحيط العربي بتركيبته الطائفية المعقدة في لبنان والعراق والخليج كما أن باكستان لن تبقى خارج الأزمة وهي التي تملك 120 رأسا نووية ووسائل إطلاقها بعيدة المدى وباكستان هي التي ساعدت إيران على تطوير برنامجها النووي بمساندة روسية وكورية شمالية كما أن تركيا التي تستورد %30 من نفطها من إيران لن تقتنع بحلول عسكرية أحادية تغير خارطة المنطقة بما لا يخدم مصالحها. أما دوليا فالمواجهة محتملة مع موسكو وبكين بنفس المواصفات التي نقرأها في معالجة الأزمة السورية. وهنا لا بد أن نشير إلى تصريح القائد الأعلى للقوات الروسية الجنرال (نيكولاي ماكاروف) لإذاعة (إيكو موسكفي) حيث قال يوم 23 فبراير إن "روسيا لا تخطط لمواجهة مع حلف شمال الأطلسي لكنها حين تجد مصالحها الحيوية مهددة فهي لا تتردد في استعمال سلاحها النووي" ومن جهة أخرى أعلن في نفس التصريح بأن موسكو بصدد تصنيع عشر غواصات نووية وتحديث أسطولها الجوي الناقل للسلاح النووي. ولا ننسى بأن رئيس مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشاف ندد يوم 17 فبراير بالدرع الصاروخية الأمريكية الذي بدأ ينشر وحداته قريبا من الحدود الروسية حين قال" إن الولايات المتحدة لم تستمع لمقترحاتنا في هذا الشأن ونحن ندرك بأن هذه الدرع موجهة لروسيا وللصين أكثر من توجيهها لإيران". في النشرية الأمريكية (سترتيجيك ألرت) نقرأ في عدد فبراير بأن قائد أركان الجيش الأمريكي الجنرال (مارتن دينبساي) صرح على قناة (سي إن إن) يوم 19 فبراير بأن من مصلحة الولايات المتحدة عدم المواجهة مع روسيا والصين. ولكن هذا التفاؤل تفنده اللهجة المهددة للرئيس أوباما والتي يمكن وضعها في خانة المناورة الانتخابية استعدادا للرئاسيات القادمة. ومهما كانت قراءتنا لهذه النذر الجدية فإن الربيع العربي سيتجاوز امتحانه الدولي الأول والخطير بالنظر إلى ترابط كل هذه الملفات بعضها ببعض. إن نظرية توقع حرب عالمية نووية ثالثة أصبحت تسكن مختلف الأدبيات السياسية والدبلوماسية والأكاديمية في الغرب وفي روسيا والصين واليابان ومن الغريب أننا نحن العرب كأنما ألهانا التناحر عن استشراف أفقها المظلم وفخاخها المنصوبة حتى نتحوط على الأقل ونعتبر بالأحداث. فعالم الاقتصاد الأمريكي ليندن لا روش مستشار الرئيس ريجن سابقا عقد مؤتمرا صحفيا يوم 19 فبراير لينذر أمريكا والعالم بخطر توجيه مسار الاختلافات نحو المواجهات منبها إلى أن الأزمة المالية التي تعيشها عديد الدول الأوروبية تسعى بأوروبا نحو الحرب كمخرج تقليدي من الإفلاس مثلما كانت الحرب الكونية الثانية نتيجة منطقية لأزمة 1929 الكبرى. وهنا لا مناص من استحضار تهديد الداهية الأمريكي هنري كيسنجر بضرورة استيلاء القوات الأمريكية على سبع دول عربية حتى يعاد تشكيل خارطة الشرق الأوسط بما يخدم مصالح الأمة الأمريكية (3 فبراير في أغلب وسائل الإعلام). ثم اقرأوا تحليل توماس فريدمان بعنوان (من عرب ستريت إلى وول ستريت) لتدركوا أن الربيع العربي رغم شرعية منطلقاته وحتمية صيرورته فهو ليس في مأمن من التوظيف الدولي في مخططات أكبر منا كثيرا وأوسع تأثيرا وليس في أيدينا مقود توجيهه نحو ما يخدم أمتنا.