06 نوفمبر 2025
تسجيلرحل بالأمس الوالد الكريم أحمد بن سعد بن صباح البوعفرة الكواري أحد أبرز أعلام التراث الشفاهي والتاريخ الاجتماعي في دولة قطر عن عمر تجاوز التسعين سنة.. وبرحيله فقدت الساحة التراثية أحد رموزها التي كانت حاضنة لتاريخنا القديم وتراثنا الشعبي النادر الذي لا يتمتع بحفظه سوى القليل في هذه الأيام. والإخباري أحمد بن سعد من الرواة الذين التقيت بهم مراراً بحكم القرابة وبحكم تمتعه بذاكرة وطنية رهيبة في سرد الأحداث التاريخية والموروث الشعبي في قطر أولاً والجزيرة العربية ثانياً. وكنت أجالسه كثيرا في كل صباح من خلال مجلسه الخاص في مدينة خليفة الجنوبية بمدينة الدوحة عبر جلسته التي تقام بعد صلاة الفجر وذلك قبل تعرضه لوعكة صحية ألمت به منذ سبع سنوات تقريبا ولزم بعدها المستشفى حتى رحيله قبل أيام. عاش الفقيد في شمال قطر حيث سكن عدة أماكن منها بلدة فويرط، كما عاش في الغارية والظعاين على الساحل الشمالي الشرقي لشبه جزيرة قطر برفقة والده وأقاربه.. وقد درس القرآن الكريم صغيرا ثم ركب البحر مع والده النوخذا (الربان) سعد بن صباح البوعفرة الكواري وهو أحد ربابنة الغوص في شمال قطر والمتوفى في سبعينيات القرن الماضي. وركب الوالد أحمد بن سعد البحر لفترة طويلة حتى وصل إلى رتبة غيص (غواص) وكان ماهرا في عمله.. ثم عمل مع والده على ظهر سفنه التي كان يمتلكها في ممارسة مهنة البحث عن اللؤلؤ في تلك الفترة التي سبقت اكتشاف النفط في قطر قبل أكثر من 70 سنة تقريبا. بعد كساد اللؤلؤ وتردي الغوص عمل الوالد أحمد في شركة النفط مثله مثل معظم أهل قطر الذين التحقوا بالشركة فتبدلت حياتهم من العيش في غياهب البحر ومتاهاته إلى حياة جديدة من خلال التنقيب عن النفط والعمل في مجالاته المتعددة سواء في دخان أو مسيعيد أو أم باب وغيرها. بعد نشر التعليم وافتتاح المدارس الحكومية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي عمل الوالد أحمد بن سعد في وزارة المعارف (وزارة التربية والتعليم) كما التحق بالعمل في بعض إداراتها. ويقول إنه عمل مع السيد عبد البديع صقر مدير دار الكتب القطرية في الستينيات وكان ملازما له في توثيق بعض الاشعار لشعراء قطر في تلك الفترة في حكم الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني والشيخ أحمد بن علي آل ثاني رحمهما الله.. ومن ذلك شرح أشعار كل من: الشاعر محمد بن عبدالوهاب الفيحاني والشاعر أحمد بن علي بن شاهين آل ربيعة الكواري التي جمعت أشعارهما في ديوان يسمى (من الشعر القطري) في منتصف الستينيات، حيث صدرت بطبعتها الأولى في عام (1966) مع أشعار الشاعر الراحل ماجد بن صالح الخليفي. وبعد تقاعده عن العمل في الحكومة عمل الوالد أحمد بن سعد في التجارة الحرة التي استمر فيها لفترة طويلة من الزمن حتى رحيله. وقد كان للفقيد مجلسه العامر الذي يرتاده الأهل والأصدقاء بشكل مستمر حيث كان هذا المجلس يشهد على طيبة وأخلاق هذا الرجل سواء من خلال الكرم الحاتمي أو من خلال أحاديثه عن تراث وتاريخ الآباء والأجداد وعبق الماضي الذي لم يفارقه أبداً بسبب ما كان يتمتع به الوالد أحمد من ذاكرة متفردة في الحفظ والسرد للمجتمع القديم في شمال قطر على وجه الخصوص. له من الأبناء: علي (توفى) - وسعد (توفى) – صباح – زايد – محمد – خالد – عبدالله. ◄ كلمة أخيرة: لا بد للجهات التراثية والثقافية والمكتبات الوطنية في قطر من توثيق حياة هؤلاء الإخباريين والأعلام في مجال التراث والحياة الاجتماعية قديما ؛ لكونهم بمثابة الزاد الذي يحكي قصص الآباء بكل أمانة.. كما لابد من الوفاء لهذه الرموز والرواد الذين حافظوا على تراثنا الأصيل بكل حب وإخلاص. [email protected]