14 نوفمبر 2025
تسجيلإن الحق سبحانه وتعالى قد اختار النبي صلى الله عليه وسلم ليختم به النبوة والأنبياء، فمن الطبيعي والمعقول أن تكون حياته منهجا جليلا لأجيال لا منتهى لأعدادها وأن تكون هذه الحياة بكل تفاصيلها أشد وضوحا وتألقا من فلق الصبح وظهر النهار، ليس بالنسبة إلى زمنه فقط، بل بالنسبة إلى كل الأزمان العصور والأجيال وذلك لعموم رسالته ودعوته، فما أرسل إلا إلى الناس كافة، كما أن الله أرسله رحمة للعالمين. فحياة النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله جوانب شخصيته ونتائج دعوته درس لكل سالك إلى طريق الله وكل قائد أو مرب أو رب أسرة أو سالك أي سبيل من سبل الخير إلى أن ينقطع الزمان. فإن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يعيشون في هذه الأيام في رحاب أنوار ذكرى مولد النبي صلوات الله وسلامه عليه، فتمتلئ القلوب ورا بذكر النبي وتزداد النفوس يقينا بدراسة سيرة خير البشر، مما يفرض علينا لزاما أن نستعرض ما كانت عليه طوائف البشر قبل مولده من صنوف لزيغ وظلام الجاهلية من قبل، حيث العالم يقع تحت سيطرة قوتي الفرس والروم والعرب بين هذا وذاك في ظلام الوثنية والجاهلية، وما تم بيده الكريمة ن سعادة شاملة لمن تبع دينه، فكان نورا وهاجا يهدي إلى كل خير في الدارين ويكشف صنوف الظلمات المتراكمة على أبصارهم وبصائرهم من عهد لشقاء الذي ليس بعده شقاء، وكل ذلك بسنا برق بعثته صلى الله عليه وسلم إلى كافة الناس، بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فإن الأمة لإسلامية عندما تقتدي بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إنما تقتدي بأعظم البشر رجولة وإنسانية وأخلصهم قلبا وأصفاهم نية وأكثر العباد قربا لرب لبرية، وتقتدي بمن أحب الله سبحانه أن تقتدي به، يقول الله تبارك وتعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم . ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل مران: 159 فإن محبة النبي وتوقيره وإجلاله واجبة على كل من يستظل بظل هذا الدين، فمن يحب الله لابد عليه من الاتباع لمنهجه صلى الله عليه وسلم، عندئذ تتحقق محبة الله للعبد، فاتبعوني يحببكم الله، ومحبته شعبة عظيمة من شعب الإيمان وهذه الشعبة غير شعبة المحبة، بل إن منزلتها ورتبتها فوق منزلة رتبة المحبة، ذلك لأنه ليس كل محب معظما، ألا ترى أن الوالد يحب ولده ولكن حبه إياه يدعوه إلى تكريمه ولا يدعوه إلى تعظيمه، والولد يحب والده فيجمع له بين التكريم والتعظيم، فتعلم من ذلك أن التعظيم رتبة فوق رتبة المحبة. وأخبر سبحانه أن الفلاح إنما يكون لمن جمع بين الإيمان به ومحبة سول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره من أجل أعمال القلوب وأفضل شعب الإيمان. شهر ربيع الأول هو رمز ذلك اليوم المسعود والذي تزينت الدنيا به أشرقت أنوار السماء وحل على أرجاء المعمورة الخير من كل حدب وصوب، فتبدد الظلام وحل الوئام وارتفعت راية الرحمن تلبي فطرة الخالق بأنه لا له إلا الله. إنه مولد فخر الوجود صلوات الله وسلامه عليه، فنرى المسلمين طوال هذا الشهر المبارك مثابرين على الاحتفاء بذكرى ولادته ومطلع نور دايته صلى الله عليه وسلم، عرفانا منهم لما فاض عليهم من نور هدي طلعته الميمونة بعد ظلمة متراكمة وزيغ متواصل وضلال ليس فوقه ضلال، حتى بدلت الأرض غير الأرض. فنفسي تتوق لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الطهر والكرم. لقد أفاضت هذه الدعوة المباركة والنهضة الميمونة على العالمين ما لم يعهد له مثيل من الخيرات في أيسر مدة، فمن تأمل ذلك يزداد يقينا ويجد في ثنايا تشريع هذا النبي العظيم معجزات تتجدد مدى الدهر، رغم نحراف المنحرفين عن هديه صلى الله عليه وسلم ورغم مسعى الفاتنين في التشويش على سيرة خير البشر وسنته يريدون أن يطفئا نور الله والله متم نوره، حاولين الإساءة إليه في الداخل والخارج، ولكن المطلع على سيرته صلى الله عليه وسلم يدرك أنها كانت حقيقة تاريخية لا تجد الإنسانية غيره قدوة حسنة قتدي بها وهي تتلمس طريقها نحو عالم أكمل وأمثل وحياة أفضل تسودها المحبة والمودة. ومن الطبيعي ألا تجد الإنسانية مثلها الأعلى في شخصيات وهمية وإلا فهي تضل طريقها المستقيم وتسير مقتدية بالخيال والأوهام، فمن حقنا إذا أن نتخذ من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نموذجا سلوكنا في حياتنا، فإن من أهم ما يجب علينا تجاه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نحقق محبته اعتقادا وقولا وعملا ونقدمها على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين. وهذه المحبة تشمل ذلك التمسك والاتباع بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فنشرب من يديه شربة لا نظمأ بعدها أبدا.