13 نوفمبر 2025

تسجيل

أوقفوا اغتيال الهوية

09 ديسمبر 2020

تنطلق مجتمعاتنا من فرضية ثبات الهوية ورسوخها وتكورها بشكل يجعلها تخترق الزمن دون الإحساس بدوره في التجدد والتطور، ولي هنا بعض الملاحظات أود لو أطرحها: أولا: الخوف على الهوية ينطلق أساساً من عجز الثقافة من تحويل النص إلى معنى، فاحتفظنا بالهوية كنص ثابت وليس إلى معنى شعوري يتحرك مع الزمن. ثانيا: إشكاليتنا التاريخية هي في تصورنا أن الهوية معطى ماضوي وما على الأجيال سوى الدفاع عنها وعن شكلها المكتمل الموروث. ثالثا: لا يتقدم المجتمع إطلاقا ما لم تكن هويته أمامه وليست خلفه. ليست هناك هويه خلف المجتمع، هناك تاريخ له سمات وتراث له مميزات يبنى عليها ويراكم حولها من خلال المرور خلال الزمن. الهوية الإسلامية هي اختراق للزمن وليس ثباتاً بحكم صلاحيته لكل زمان ومكان، وهويتنا العربية هي جزء من الهوية الإنسانية في امتداد للإنسان بصفته مشروعاً وليس بصفته تميزاً عن غيره من البشر. رابعا: فزعنا عندما دعت جامعة جورج تاون الشاعر "أدونيس" خوفاً على الهوية، وقبل ذلك عندما دعت جامعة قطر"بدرية البشر" خوفا على المجتمع. انطلقنا من تصور ماضوي للهوية المكتملة، وليس من تصور مستقبلي يجعل منها إمكانية للتطور والبحث والاستماع للجديد دون خوف أو وجل. حددنا أعداءها مسبقا، وصنفنا لائحة المتهمين والخطريين عليها أزلا. خامسا: أكثر المفاهيم تداولا في حياتنا اليومية هو مفهوم "الحوار" وأبعد المفاهيم تحققاً هو نفسه، لأن الحوار لا يكون في الماضي وعن الماضي، عندما نشعر باكتمال هويتنا وتحصنها، فكل ما ينتج عنها هو بالضرورة مكتمل وتام في الماضي. سادسا: ما نعايشه اليوم من مآسي وكوارث دليل دامغ على ما أقول، أي حوار يقام اليوم بين فصائل الطيف الإسلامي المتقاتل مع بعضه البعض، هل هو حوار عن المستقبل، أم صراع على الماضي، أي حوار نعيشه اليوم بين الشعوب والأنظمة، هل هو حوار باتجاه صنع هوية جديدة تناسب وتتماشى مع العصر، أم إعادة للتاريخ تحت مسميات جديدة مفرغة من محتواها؟ سابعا: هناك ارتباط بين ثروة المجتمع ونظرته للهوية، نظرة المجتمع للهوية بأنها ماضٍ مكتمل يجب الحفاظ عليه، يصرف الثروة باتجاه الماضي الموروث سواء كان تاريخا أو بشرا. المجتمعات المتقدمة ثروتها جزء من هويتها المستقبلية، فهل هي بانتظار المستقبل وتغيراته، فمفهوم التضحية لديها له ارتباط دنيوي، بينما لدى أصحاب الهوية المنجزة له ارتباط ديني بحت إلى حدٍ كبير. ثامنا: مأزق الهوية، هو نفسه مأزق الدولة، الهوية العربية والإسلامية في مأزق لأن الدولة العربية والإسلامية أصلاً في مأزق المشروعية المستقبلية، لأنها شكل من أشكال الماضي المقيم. تاسعا: أكثر الهويات صعوبة للتكيف والتطور هي الهوية الدينية التي تولد ممتلكة للحقيقة كاملة من الولادة حتى الدخول للجنة وذهاب الآخر للنار. فالمستقبل هنا مقرر سلفاً بل هو ماضٍ قادم أو عائد، وذلك يرجع لعدم تبلور هوية سياسية عبر تاريخنا قادرة على التعامل مع أمور الدنيا والعصر والحياة بشكل يجعل من الإرادة الإنسانية شرطاً لقبول وتقبل حكم الإرادة الإلهية فيما بعد. عاشرا: الهوية التوافقية هوية سياسية، وليست دينية، هي هوية مستقبلية تستمع للآخر دون فزع، وتحاور المختلف دون خوف، فلذلك تتطور ويتطور معها المجتمع. الخوف والرفض والاستنكار المسبق يدل على أن المجتمع لم يدخل بعد عصر السياسة ويعيش على ميكانزمات الدفاع والفزعة، فهو يرتاح ويستريح لاستماع مايريده، لا ما قد ينفعه مثلا، لذلك ترى أفراده يهرولون جريا للاستماع بما هو معلوم لديهم بالضرورة، فالتأكيد هنا بقدر ما يمثله من راحة، بقدر ما يمثله من ثبات مذموم. [email protected]