08 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); كنت أستمع لأحد البرامج على إذاعة محلية لبنانية تتبع للمرجع الشيعي اللبناني الراحل السيد محمد حسين فضل الله. كان المذيع يستقبل اتصالات المستمعين الذين يطرحون أسئلة واستفهامات شرعية على أحد المشايخ المتواجد في الأستوديو. إحدى المشاركات اتصلت شاكية حادثة حصلت مع ابنها في مؤسسة تربوية تابعة للسيد فضل الله، فقد أخبرها أن المعلمة خلال إحدى الحصص التعليمية لعنت خليفة رسول الله أبا بكر الصديق. استهجن المذيع وضيفه في الأستوديو الحادثة، وذكّر الأخير بفتوى السيد فضل الله التي أكد فيها على تحريم لعن الصحابة، وطلب من المتصلة التواصل معه كي يتسنّى التثبّت مما حصل، وتحديد مكان الواقعة، ومحاسبة المعلمة التي قامت بهذا الفعل "الشنيع"، حسب وصف الشيخ. تخالف هذه الواقعة الصورة الذهنية التي يسعى البعض لإشاعتها عن المسلمين الشيعة، وهي أن جميع الشيعة يلعنون ويشتمون ويكفّرون صحابة الرسول الأكرم، وأنه لا مكان للتلاقي معهم، وأن جميع الشيعة يناصبون السنّة العداء ويسعون للقضاء عليهم والتخلص منهم. ولعلّ هذا الأمر يقودنا إلى مشكلة أساسية تعاني منها أمتنا الإسلامية، وهي التعميم وعدم التحرّي والتدقيق في صحة الأخبار، والميل نحو "الخبريات" التي تثير العصبيات، وتؤجّج الخلافات، وتشحن الأحقاد. وقد وقع في "فخ" هذه المشكلة الكثير من علماء المسلمين السنّة، الذين يأخذون رأياً من آراء مراجع الشيعة ويعمّمونه على جميع الشيعة، مهملين تعدد الآراء والخلافات بين المراجع الشيعية، بينما بعض التمحيص يكشف أن آراء بعض المراجع الشيعية تجعله أقرب للمذهب السني منها للمذهب الشيعي. ولعلّ أبرز الأمور التي تدلّل على هذا الأمر هو ثبوت الهلال، حيث إن فتوى السيد محمد حسين فضل الله - الذي يعد أحد أهم مراجع الشيعة في العالم - باعتماد الحساب الفلكي لثبوت الهلال أدّت إلى التطابق في معظم الأحيان بين المسلمين السنة والشيعة المقلّدين له. وقد بات معتاداً في لبنان خلال السنوات الماضية أن يتوافق المسلمون السنّة والشيعة المقلّدون للسيد فضل الله في بدء صيام رمضان وحلول عيد الفطر، في حين يثبت الهلال في وقت آخر لدى بقية الشيعة. هذا لا يعني أن الصورة وردية، فالخلافات بين المسلمين السنّة والشيعة كثيرة وعميقة وهي ليست وهماً كما يحلو للبعض أن يبسّطها. ومن المعروف أنها أحدثت صدعاً عميقاً في التاريخ الإسلامي يرجع لألف وأربعمائة عام. لكن المؤكد هو أن القضايا الخلافية بين المسلمين السنّة والشيعة على كثرتها وعمقها، فإنها تبقى في إطار الخلاف الذي لا يجيز التقاتل، ولا يبرر أن يعلن السنّة الحرب على الشيعة للقضاء عليهم، وأن يعلن الشيعة الحرب على السنّة للقضاء عليهم، وأن يستبيح كل طرف دماء الآخر. وقد بات مكشوفاً رفع الرايات المذهبية التي تخفي وراءها خلافات سياسية وطموحات توسعيّة تم إلباسها صراعاً مذهبياً لتمريرها وحشد الرجال لتأييدها. وقد نجح هذا المسعى في الكثير من الأماكن، ففي سوريا مثلاً، غاب مطلب الحرية والكرامة الذي رفعه الشعب السوري في مواجهة نظامه، وتكبّد من أجله القتل والاعتقال والتعذيب، واحتلّت الصورة قوى وتنظيمات وميليشيات طائفية متشددة، وكان ذلك نتاجاً طبيعياً للتعصب الطائفي الذي حرّك القوى المؤيدة والمساندة للنظام السوري. فبعيداً عن الخطاب الإعلامي لهذه القوى التي تزعم أن مساندة نظام بشار الأسد والقتال إلى جانبه إنما هو لتحرير فلسطين وحماية محور المقاومة والممانعة، وعرقلة المخططات الإسرائيلية في المنطقة، فإن قليلاً من المتابعة يكشف أن العنوان الطائفي هو المحرك لهذه القوى. وليس بعيداً عنّا شعار "لن تُسبى زينب مرتين" الذي رفعه حزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية العراقية لتبرير غرقهم في دماء الشعب السوري. ومن يتابع الأفلام المصورة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي للمقاتلين الشيعة الذين يشاركون النظام في سوريا، يدرك أن الوقود النفسي والمعنوي والديني لهؤلاء المقاتلين ليس تحرير المسجد الأقصى، ولا مواجهة أمريكا "الشيطان الأكبر"، ولا استئصال إسرائيل "الغدة السرطانية"، بل فقط هتاف "لبيك يا حسين"، و"يا زهراء". ليس متوقعاً أن يجد الخلاف بين السنّة والشيعة نهاية قريبة، لكن ما يجب أن يسعى إليه جميع المخلصين في هذه الأمة، هو أن يبقى هذا الخلاف في إطاره الديني والفقهي والتاريخي والفكري، بعيداً عن أي استغلال سياسي، لتمرير أطماع توسعية، واستعادة أمجاد تاريخية.