05 نوفمبر 2025
تسجيلفي عقد التسعينيات من القرن الماضي، كان النظام المالي العالمي يرتكز على النظام الأمريكي، حيث كان هذا النظام يوصف بأنه «مركز ومحور» النظام المالي العالمي، لأن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تهيمن على الاقتصاد العالمي باعتبارها القوة المالية العظمى الوحيدة. ولكن هذا الوضع تغير مؤخرًا مع توزع موازين القوى بشكل أكبر في عالم مالي متعدد الأقطاب. وقد ساهم تطوران رئيسيان في تغيير المشهد كان أولهما هو صعود الاقتصادات الناشئة. ففي عام 1992، كانت الاقتصادات الناشئة العشرة الرائدة، بما في ذلك الصين، تمثل نحو 12 % من النشاط الاقتصادي العالمي. وبحلول عام 2022 أصبحت هذه الاقتصادات تستأثر بمقدار الثلث من النشاط الاقتصادي العالمي. وكان الاتجاه المهم الآخر هو تصاعد التوترات الجيوسياسية بشأن الأمن والتجارة. وقد تجسد ذلك في التعريفات الجمركية، والحظر المفروض على الاستثمار الأجنبي المباشر في صناعات استراتيجية محددة، والاستخدام واسع النطاق للعقوبات المالية من قبل الولايات المتحدة، وخاصة ضد إيران وروسيا، سعيًا لتحقيق أهداف جيوسياسية، وهو ما ترك عواقب متعددة ومعقدة. وبعد غزوها لأوكرانيا في عام 2022، تعرضت روسيا للحظر من نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (السويفت). وقد تسبب هذا في إرباك الشركات الروسية، لكن الدولة الروسية كانت تعمل على تطوير بدائل مثل خدمة SPFS للرسائل المالية التي حلت محل نظام السويفت في التحويلات بين البنوك؛ وشبكة MIR للدفع بالبطاقات التي حلت محل الدفع ببطاقات الماستر كارد والفيزا. ويشهد نظام CIPS الصيني، وهو أيضًا نظام مراسلة مالية، نموًا سريعًا؛ حيث تأسس هذا النظام في عام 2015، وبحلول عام 2023 كان يعالج معاملات تصل قيمتها إلى 67 مليار دولار يوميًا. وهذا مبلغ صغير مقارنة بحجم المعاملات اليومية لنظام السويفت التي تصل إلى 34 تريليون دولار، لكنه شهد نموًا بنسبة 24٪ قياسًا بالأرقام المسجلة في العام السابق. ولدى الصين أيضًا بديل لبطاقات الماسترد والفيزا للدفع، يُسمى UnionPay. ويتيح نظام واجهة المدفوعات الهندية الموحدة (UPI) إمكانية إجراء مدفوعات رقمية مجانية عبر إرسال رسالة نصية أو مسح رمز الاستجابة السريعة ضوئيًا. وبحلول شهر مارس 2023، كان هذا النظام يعالج ما قيمته 139 تريليون روبية (1.7 تريليون دولار) من المعاملات سنويًا، وهو ما يمثل أكثر من 75% من مدفوعات التجزئة الرقمية في الهند. ويرتبط نظام UPI بنظام الهوية الرقمية الذي يوفر طريقة أكثر أمانًا لتسديد مدفوعات الرعاية الاجتماعية في الهند. كما يعكف المسؤولون في الهند على توسيع نطاقه دوليًا عبر ربطه بأنظمة الدفع في قطر وسريلانكا والإمارات العربية المتحدة وسنغافورة وموريشيوس وبوتان، ومن المقرر أن يتوسع ليشمل مناطق أخرى. وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي نظامًا راسخًا يسمى شبكة دول مجلس التعاون الخليجي، الذي ينشئ شبكة صراف آلي واحدة تربط جميع المحولات الوطنية لدول مجلس التعاون الخليجي. وتسمح هذه الشبكة بتسوية الحسابات بين الدول الأعضاء بعملة هذه الدول دون الحاجة إلى فتح حساب بعملة أخرى غير عملات دول مجلس التعاون الخليجي. ويعمل نظام NAPS داخل قطر على تسهيل الدفع عن طريق بطاقات الخصم الصادرة محليًا. ويتم تطوير خطط المدفوعات البديلة هذه لأسباب اقتصادية عملية، تتعلق بالراحة وخفض تكاليف المعاملات وتحسين الأمن. ولن يكون من الواقعي أن نتصور أن بطاقات الماستر كارد والفيزا ينبغي أن يكونا نظامي الدفع الوحيدين بالبطاقة، أو أن نظام السويفت يجب أن يحتكر معاملات التحويلات المصرفية على الصعيد العالمي. ولم يساهم صعود الاقتصادات الناشئة والأنظمة المالية غير الأمريكية حتى الآن في تقليص الدور الذي يلعبه الدولار الأمريكي باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية. ويعني انتشار الدولار في كل مكان، وحجم التحدي المتمثل في استبداله، أن حصته في المعاملات المالية الرئيسية لا تزال مهيمنة، حيث تمثل 85-90 ٪ من تداولات العملات، و47 ٪ من المدفوعات العابرة للحدود عبر نظام السويفت في أوائل عام 2024، بارتفاع من نسبة 38 % قبل ثلاث سنوات. ورغم أن تنوع ونضج الأنظمة المالية في الاقتصادات الناشئة يخلف العديد من التأثيرات الحميدة، فإن الخطر قائم في أن يؤدي التنافس المالي إلى تعزيز التنافس الجيوسياسي. ومع ذلك، فإن هذا ليس أمرًا حتميًا، ويُعدُ انتشار ونضج المدفوعات والأنظمة المصرفية المختلفة عمومًا سمةً حتميةً لصعود الاقتصادات الناشئة.