08 نوفمبر 2025

تسجيل

ضحايا الشوق

09 أبريل 2018

المغتربون هم ضحايا الشوق ، وكل يوم يبتعدون فيه عن ديارهم يتنامى الشوق في نفوسهم حد الإزعاج ... فالاغتراب ليس خياراً، وليس هدفاً بحد ذاته ، انما هي تلك الفرصة التي وُلِدَتْ من رحم دوافع العمل ، والبحث عن الذات ، والهرب من أنياب البطالة التي أهلكت الكثير من البشر حتى لا يكونوا نزلاء الاكتئاب ، وفشل العلاقات الأسرية ، وضنك العيش ، والروتين الممل .      من منا لا يشتاق للعفوية، والاجتماع مع الأهل والجيران، والأصحاب، وجمال البساطة، والضحكة التي تشفي الصدور، من منا لا يشتاق لمظاهر الحياة وتفاصيلها المملة كما تركناها بجديتها، وصدقها، ورائحة التعب، والتندر بحكاياتها بعد الإنجاز، ونشوة مشاعر الفخر، فالشوق ملازم للإنسان أينما كان وليس حكراً على المغتربين.       الفجوة التي يعانيها المغترب حال عودته للديار، تلك الصور التي تجمدت في ذهنه لحظة مغادرته للوطن، وتلك المشاعر الوردية التي توقعها ورسمها في وجدانه قبل حدوثها، ولم يدرك أن الوطن بمكوناته من بشر، وحجر، وشجر، قد خضعوا لإرادة الزمن والتغيير، فتغيرت المشاعر، وتغيرت الملامح وتغيرت الوجوه وتغيرت طبائع الناس، آه ما أقسى تلاشي الصور!.       في بلادنا يُقاس نضوج الشخصية بالقدرة على انجاز المعاملات، والاصطبار على روتين الإجراءات وتناقضاتها، ومشقة الوقت ومعركة المواصلات والوقت المهدور في فهم الروابط لإتمام معاملة وتأخيرها بحجج واهية، الهمجية وعدم اتقان العمل تجده في كل مكان وكل مجال، لماذا تبحث عن خدماتك التي تدفعها مسبقاً ولا تجدها؟!، كل هذا والتعامل مع المغترب "شطارة زيادة عن اللزوم" لماذا كل هذا؟! حتى هذا الداء انتقل إلى مشاعر بلاستيكية واقتناص مواقف حتى من الأقربين، أن تجد نفسك تعيش في تمثيليات ممجوجة وتشتري مشاعر المودة، فهذا من أصعب الصدمات التي تقترفها بحق نفسك ويقترفها الآخرون بحقك.      أحياناً نحتاج لمنبهات عاطفية توقظ الشوق فينا، وتشعل الحنين لبساطة العيش، وصدق المشاعر التي تركناها لحظة المغادرة... أحياناً نحتاج أن نزين الأشياء المشوهة لعل التجميل يغير الآراء القاسية تجاهها لتأخذ مكاناً في القلب من الرضا، من الرائع أن نعزف على أوتار الشوق، والذكريات، كي يبقى الإنسان مشدودا لماضيه، وتتجدد انسانيته وبالتالي يتجدد الحب لتصغر في عينيه كبائر الجحود، وتنمو في قلبه ثقافة التجاوز عن السيئات والقطيعة التي عاشها مع أكثر الناس الذين يتوقع منهم الفضيلة وجبر الخواطر.      المغتربون باحثون عن بقاياهم التي تركوها في وقتها والآن يبحثون عنها ولا زالوا يلهثون وراء مشاعر اعتقدوا أنها ما زالت تنتظرهم، لله در الظروف ما أقساها على من يجمد إدراكه للواقع، ولله در الوطن الذي لا يستجيب لإرادة التغيير نحو الأفضل، ولله درك يا وطن ما أجملك عندما يصرخ الشوق في قلبي تجاهك.