12 نوفمبر 2025

تسجيل

لماذا ننبهر بالخواجة ؟

09 أبريل 2012

كثر الكلام عن الحفاظ على اللغة العربية رغم أننا غارقون في تفاصيل، ففي العربية ما نقوله شيء وما نفعله شيء آخر، حرصنا شكلياً بأبسط مثال أسماء محلاتنا (خواجاتي) وكأننا نقول إننا بعيدون عن النسق العربي المتخلف، فنادقنا، مجمعاتنا السكنية، مراكز تسوقنا تحمل أسماء (خواجاتي) حتى أسماء رياض الأطفال لم تنج من ذلك أيضا، إن الزائر الذي يفضل أن يطير في إجازته السنوية بعيداً عن الشرق لم تر عيناه في سفراته يميناً أو يساراً محلاً في قلب لندن، أو نيويورك، أو في بلاد (ليالي الأنس في فيينا) أو باريس يضع لافتة بأي اسم عربي مهما كانت عراقته، عقدة الخواجة تتخلل تحت مسامنا، بيوتنا في طول شرقنا وعرضه تحتفي وتبتهج وتفرح بنطق طفلها للمفردات الأجنبية أكثر كثيراً من فرحها بحفظ أم الكتاب أو سورة الإخلاص!.. أما إذا شب الطفل وغرد (بالرطانة الخواجاتي) كان هذا الحدث الجلل مثار فخرنا العظيم، بل إن بعضنا يتباهى بأن أولاده يتحدثون الإنجليزية (لبلب) ولا يبالون مطلقاً أن رسوبهم الوحيد كان في مادة اللغة العربية!! ليس هذا فحسب فاحتفاؤنا بمن عاد بشهادة من (بلاد برة) أكثر مليون مرة من حفاوتنا بخريج الأزهر وأعظم تخصصات اللغة العربية (رغم أنني أحلم بأن يتقن كل داعية أزهري اللغات الأجنبية ليكون خير مصحح لصورتنا المقلوبة في الغرب كإرهابيين) بيوتنا العربية تحرص على اقتناء مربيات بديلات لمهام الأم شرطهن الأول إتقان اللغة الانجليزية لتلقين الرضع منذ نعومة الأظافر هاي، وباي، وماي) بغض النظر عن النطق المعوج لكثير من المفردات الأجنبية الخطأ والتي تكبل الطفل بنطق مغلوط نحتاج وقتاً لإصلاحه عوضاً عن تشرذم ذهن الطفل بين لغة المربية، ولغة الأم، وخليط من اللهجات التي يكتسبها مرة بالهندي، ومرة بالسريلانكي، ومرة بالفلبيني والله يعينه على ما ابتلى به! أما دور الإعلام فحدث ولا حرج فمذيعات الخريطة العربية إلا قليلاً يدخلن في لقاءاتهن وحواراتهن المفردات (الخواجاتي) حتماً وضروري كلمة أجنبية بين الكلمات العربية وذلك للفت النظر بأن ثقافة حضرتها أجنبية، أما ضيوف العالم العربي من أطباء، وعلماء، ومفكرين، لا يكاد يسلم لهم لقاء من استعمال مصطلحات اللغة الأجنبية، حتى أنني تصورت وأنا أتابع أحد الأطباء وكان متحدثاً في الشأن الطبي أنه نسي تماماً أنه يتحدث لمستمع ومشاهد عربي وليس (خواجة)! في صحافتنا على طول الخريطة العربية نستعين بمفردات، وتواريخ، وأرقام وأحياناً كلمات باللغة الانجليزية وكأننا نعجز عن التعبير بعربيتنا الجميلة أو لإيماننا بأن ما نكتبه سيكون أكثر تأثيراً، وأفخم دلالة إذا ما أضفنا (الحروف الأجنبية) سؤال، هل رأى أحد منكم صحيفة أجنبية تضع تاريخ صدورها بالأرقام العربية؟ ولعنا بكل ما هو أجنبي جعل أمنياتنا تمتد لرغبة الانتماء إلى مجتمع مغاير لمجتمعاتنا الشرقية، وجنسية غير جنسيتنا، وكم من أسر أقامت (الأفراح والليالي الملاح) لأن عائلها أو ابنها حصل على الجواز الأمريكي، أو البريطاني، أو جواز أي بلد أجنبي رغب في الحصول على جنسيته، البعض يرسل زوجته إلى أمريكا مثلاً قبل الوضع بفترة لتضع مولودها هناك وليأتي المولود لأبويه بفرحة العمر أو (بفرخة) العمر، خلاص سيصبح (خواجة)! وستفتح له الأبواب المغلقة، وسيحترم في بلده أو أي بلد يبرز فيه هويته الجديدة، بل سيأخذ فوق حقه حقوقاً كثيرة تتفوق على زميله، وابن بلدته، أين الثريا من الثرى؟! ولا أنسى حكاية (فلان) عربي الجنسية الذي كان يعمل بالخليج ثم تركه وسافر وعاد بجواز أجنبي، تقدم للعمل بصفته الجديدة وجوازه الجديد ليحظى بما يحظى به أصحاب العيون الملونة والشعور الشقراء المتميزون بعالمنا العربي كله! كثيرون فقدوا حياتهم وهم في هجرات غير شرعية ليحظوا يوماً ما بالحلم بعد تعديل وضعهم القانوني (جواز أجنبي) البعض جازف واشتراه هرباً من عذابات لا يعلمها إلا الله في حياتنا اليومية، عقود الإيجار، إنذارات الإخلاء، مازالت تصل المستأجر بالانجليزية لأن القائم على رعاية العمل (هندي) ولا يعرف العربية، يحدث هذا ببساطة دون أدنى احترام لثقافة المستأجر إن كان يفهم ما يرسل إليه أم لا! محطات كثيرة، وقفات كثيرة يجب أن نلاحظها ونحن نتحدث عن تغريب اللغة التي نطعنها في قلبها رغم جمالها الفادح، وروعتها الآسرة! مطلوب إعادة نظرتنا إلى ثرائنا المهمل ومحاولة فهم لماذا يأسرنا كل ما هو أجنبي؟ اللغة ضرورية؟ نعم ضرورية، مهمة؟ نعم مهمة لكن لا ينبغي أن تتفوق على عربيتنا التي بدأ أطفالنا يغتربون عنها، ربما نحتاج زمناً لكي نصلح فيه ما أفسدناه لا ما أفسده العطار، المهم أن نبدأ. • شجون اللغة • كان الضيف من دول الربيع العربي، نزل ضيفاً على إحدى القنوات التعليمية، كلامه غير المسؤول، بل والمضلل يرفع ضغط المتابع، فرغم حال التعليم (الواقع) الذي يخرج من الجامعات من يضع الصاد مكان السين ليكتب (صبورة) بدلاً من (سبورة) ومن تنطق (التاء) بدلاً من (الطاء) لتقول (تفل) بدلاً من (طفل) راح يدافع كمسؤول ظهرت مداهنته لمن فوقه زاعقة ليؤكد ما توفره الوزارة من مقومات النجاح الفائقة للعملية التعليمية، متناسياً أن توافر الإمكانات لا يعني أبداً جودة المخرجات إذ لابد من عناية فائقة بالمناهج منذ نعومة الأظفار لتسلم العملية التعليمية برمتها من الوقوع، وقبل ذلك يتحتم البعد المطلق عن حجب حقيقة تردي التعليم لنداهن ونقول (كله تمام) لأن المسألة أولاً وأخيراً أمانة. • في عالمنا العربي الجميل أصبحت كلمة (أوامر من فوق) مصداً لأي حوار أو نقاش، أو تظلم، كما أصبحت كلمة دارجة يستعملها المسؤول عندما يرغب في تخويف مرؤوسيه، أو إرهابهم، أو عندما يريد كتم صوت أي جرئ، أو شجاع، أو وطني تتقاطع رؤيته مع رؤية السيد المسؤول التي تفوح منها رائحة استغلال منصبه، وكم ظلمت عبارة (أوامر من فوق) وقد اكتشف البشر أن (الناس اللي فوق) لا يدرون شيئاً عما يقترفه (الناس اللي تحت) من بلاوي وكوارث باسمهم وبجرأة يحسدون عليها!! • أحزن جداً كلما قرأت أو سمعت عن مظلمة إنسان لم تنقذه يد الإنصاف من وجعه، أحزن أكثر كلما كانت المظلمة لصاحب خلق ودين!! • أحياناً بعض السادة المسؤولين الذين يقلبون المعدول، ويكرهون من يخالفهم قد يكون المناسب أن توافق، وتنافق لتتمتع بمنصب ومزاج رائق، لكن يظل احترام المرء لنفسه قيمة لا يتنازل عنها صاحب مروءة لا يناسبه النفاق، ربما لأنه يخجل من أن يقع من عين نفسه قبل أن يقع من عين الناس. • طبقات فوق الهمس • يا مسافرة دون وداع، ودون كلمة أخيرة، وقبلة أخيرة، وضمة أخيرة، يا مسافرة إلى سر الأسرار، وبرزخ الأرواح، أودعك وداع المؤنب نفسه فلو علمت أن آخر مرة رأيتك فيها متعبة موجوعة كانت مرة أخيرة لاحتضنت جسدك الطيب طويلاً، ولمسحت على بدنك المتعب بحنان روحي كثيراً، قدرنا يا غالية أن نكون على البعد تتساقط بعيداً عنا قطع غالية منا يضمها قبر بعيد، يا غاليتنا المسافرة، ناديناكي في الدنيا (بهية) واليوم ادعو الله أن يجمع لك البهاءين، بهاء الدنيا والآخرة، اليوم استحضر عمراً كنت فيه حبيبتنا جميعاً، وأهمس بدمع قلبي افتقدك يا بهية الروح، والقلب، والحنان، اليوم ماتت أمي الثانية، اللهم تغمدها بواسع رحمتك، وجميل غفرانك.. آمين.