08 نوفمبر 2025

تسجيل

أمر خطير يقع فيه البعض

09 مارس 2023

لقد خلقَنا اللهُ تعالى لغاية سامية ومهمة محددة وهيَّأ لنا مقومات الحياة على أرضه وتحت سمائه لتحقيق هذه المهمة، وهي العبوديَّة الخالصة له سبحانه والالتزام بما أمر واجتناب ما نهى. وهذا هو طريق الاستقامة الذي يسلكه المخلصون الموفَّقون الفائزون بمرضاة الله، وهم صفوة الخلق عند ربهم. وعلى الجانب الآخر، هناك فريق من المقصرين على تفاوت في درجة التقصير والمخالفة لأوامر الله تعالى.. وهذا التقصير له أسباب كثيرة، منها: فطرة الإنسان التي تحمل الخير والشر وتسلُّط الشيطان على الإنسان واستغلال نقاط ضعفه، وكذلك افتتان الإنسان بالدنيا وزخرفها، فتزل قدمه في المعاصي والشهوات. وفي الحقيقة، إنَّ تعرُّض الإنسان للوقوع في الخطأ والزلل أمر طبيعي؛ ففطرته البشريَّة غُرس فيها حب الدنيا والشهوات وحب الممنوع ومخالفة المألوف، فالنفس لها نزعات تخرج فيها عن النص أحيانًا؛ لذلك جعل الله باب التوبة إليه مفتوحًا ليلًا ونهارًا ليعود المقصرون إلى ربهم في أي وقت؛ فهو التواب الرحيم. وقد أوضح لنا رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم - هذا الصنف من البشر في الحديث الشريف، فعن أَنَسٍ – رضي الله عنه – أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» (أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وابْنُ مَاجَهْ). ومن الأحاديث التي تدل على عظيم فضل الله على كل مقصر أو مسرف على نفسه، ما رواه أبو مُوسى عبدُ اللهِ بن قَيْسٍ الأَشْعَرِيِّ - رضِي الله عنه - عن النَّبِي ﷺ أنه قَالَ: «إِن اللهَ تَعَالَى يبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ ليتُوبَ مُسيءُ النَّهَارِ، وَيبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ ليَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِن مَغْرِبِهَا» (رواه مسلم). إذًا، فالوقوع في الخطأ وارد لكل إنسان؛ لأنه بشر عادي ليس بمعصوم، خلقه الله ليمتحن عمله ومدى التزامه بأوامره واجتناب نواهيه، فلا عيب أن تخطئ، ولكن عليك أن تندم وتعود إلى ربك وتصحح أخطاءك وتجاهد نفسك للأفضل وسلوك سبيل المتقين، فأنت خير الخطائين وسلكت طريق التائبين. لكن الأمر الخطير في الوقوع في المعاصي هو الاستهانة بها واعتيادها، بل والمجاهرة بفعلها، نعوذ بالله من ذلك. فقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من المجاهرة بفعل المعاصي كأن يرتكب أي شخص معصية أو مخالفة ثم ينشرها ويتحدث عنها ويُخبِر رفقته أو غيرهم بما صنع من مخالفات ومعاصٍ دون أدنى حياء من الله أو ذرة ندم على ما فعل، بل يتباهى ويتفاخر بالمعصية، فهذا إلى جانب أنه مسرف على نفسه ويسلك طريق الضلال والهلاك، يحرِّض غيره على سلوك هذا الطريق، وهؤلاء هم شياطين الإنس الذين اختارهم شياطين الجن ليكونوا أعوانهم في إفساد الخلق، هؤلاء هتكوا ستر الله عليهم، فلا يعفيهم الله ولا يحفظهم من افتضاح أمرهم بين الناس. وقد رُوي عن سالم بن عبد الله – رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلُّ أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين، وإنَّ من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويُصبِح يكشف سترَ الله عنه» (رواه البخاري ومسلم). قال ابن حجر: «والمجاهِر هو الذي أظهر معصيتَه، وكشف ما ستَر الله عليه، فيحدِّث بها». ومن صور المجاهرة بالمعاصي في هذه الأيام التي نراها منتشرة في «السوشيال ميديا» في بعض التطبيقات والمواقع الخبيثة التي تبث سمومها على المجتمعات المسلمة لتفسد شبابنا وبناتنا: أن نرى شبابًا يخرج في مقاطع فيديو أو بث مباشر يشاهده الملايين من الناس وهو يسمع أغاني ويصيح ويرقص بثيابٍ وقصَّاتِ شعرٍ غربية مخالفة تمامًا لديننا وعاداتنا وتقاليدنا. وكذلك هناك مَن يتفاخر بالتدخين والصحبة الفاسدة وسهراتهم ومقالبهم، وغير ذلك من المساوئ التي ابتُلينا بها في عصر الإنترنت و«الميديا». وكذلك نرى تساهُل شباب وبنات في الاختلاط والصداقة بين الجنسين ويتفاخرون بخروجاتهم ولقاءاتهم، وغير ذلك من المجاهرة بالمعصية ونشر الفساد في المجتمعات. وهناك كثيرٌ من صور المجاهرة التي لا يقبلها المسلم، بل ويتأفف وينزعج عندما يراها؛ لأنها بالفعل تدل على تدني أخلاق أصحابها وافتقارهم إلى الحياء والفطرة السويَّة. فنصيحتي لنفسي أولًا ثم لإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي: يجب أن نحذر جميعًا من هؤلاء الذين يدسُّون السم في العسل؛ فهؤلاء للأسف محسوبون على الإسلام ويتكلمون بلسان عربي ولكن بثقافة تخالف ديننا وعقيدتنا؛ لذا يجب علينا نبذ كل محتوى يجاهر بالمعصية أو يقلِّل من خطورتها أو يتساهل فيها، وكذلك المحافظة على متابعة المحتوى الهادف الذي يبني العقيدة ويعزِّز الحياء ويحث على الاستقامة. فلا بُدَّ من إنكار هذه المخالفات والقضاء على هذا النوع من المحتوى الفاسد وعدم السماح بانتشاره بين الشباب والبنات؛ لأن انتشاره في المجتمع يقلل من الحياء ويحرِّض على المعاصي، إلى جانب الاستهانة بما أمر الله تعالى به.. كل ذلك لأجل المشاهدات و«التريند» و«الميديا» ولا حول ولا قوة إلا بالله، فالحذر كل الحذر من ذلك؛ لأنه لا مجال للعبث ولا اللهو بكل ما يتعلق بأوامر الله تعالى ونواهيه. قال تعالى: «وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ» (التوبة: ٦٥). نسألك اللهم العافية والستر والنجاة في الدنيا والآخرة، ووفِّقنا اللهم إلى مرضاتك في كل وقت وحين.. اللهم آمين.