15 نوفمبر 2025
تسجيلفي السابع والعشرين من يناير المنصرم خرج الفريق البشير على شعبه بمشروع حوار وطني هدف منه إلى الوصول إلى تراض وطني يخرج ببلده من أزمته المتطاولة. من الوهلة الأولى انقسم المراقبون والمحللون والمعلقون حول المحرك الحقيقي لخطوة الرئيس البشير. كثيرون اعتبروها سلسلة أخرى من سلاسل المناورات التي برع فيها نظام شاخ على دست الحكم. وتعلم كيف يجرجر القوى المعارضة وإغراءها بقبول ما لا يمكن قبوله بعد أن يمنيها بعزيز الأماني. حتى إذا قضى منها وطره تحجج بما يعني له من حجج ثم يزوغ ويروغ كما يزوغ ويروغ ثعلب ماكر خبر دروب تدوير معارضيه وأتقن السير الآمن فيها. الإعلان عن مشروع (الوثبة) في أول العام الجاري كان هدفه الوحيد هذه المرة هو الوصول إلى إقامة انتخابات شكلية مثل كل مرة دون أن تبدو كذلك في ظاهرها، ولن يتحقق هذا إلا بضمان مشاركة كل أو معظم القوى السياسية فيها، في تذاك مكشوف للنظام فكل ما يخص الانتخابات من وراء ظهر القوى السياسية وبالصورة التي تجعل نتيجتها تحصيل حاصل. فقد أعدّ قوانينها لوحده. وأعدّ سجلها الانتخابي لوحده. ثم تفضل على القوى السياسية المراد منها تزيين الديكور الخارجي بحضورها الميمون، تفضل عليها بدعوة مراكبية لتشرف المكان في يوم الزينة الأخير كشاهد ما شافش حاجة. المعارضة لم يبق أمامها إلا أن ترفض دعوة المراكبية المضروبة التي يراد منها أن تعطي موافقتها بالمشاركة في الانتخابية وهي صاغرة. الإعلام الحكومي المسندك أوجد لنفسه إعلامية فطيرة ينبح بها صباحا ومساء يحدث الناس عن الفتح السياسي الذي تحققه مبادرة الحوار الوطني. وهو الفتح الذي يراه المشاهد فقط في أفواه مذيعي النظام. وسعد النظام حين ظنّ أن أشرعته تمتلئ بالهواء القاصد بينما يلوك معارضوه الحصرم المر. ولكن رياح الشتاء الهفيفة أبت إلا أن تأتي بما لا تشتهي سفن النظام وهي تمخر في عباب الأماني المستحيلة. المعارضة جمعت كنانتها في أديس أبابا، الزهرة المورقة، هكذا ترجمة اسمها الامهرى الصقيل، وجلست القرفصاء. تشاورت. وتحاورت. وقدرت. ثم قدرت. ثم أعلنت قنبلة القنابل وأم القنابل كلها و(بتوضيحاتها) كلها: الثورية ببنادقها المتعددة، والإجماع الوطني بفصائله المتعددة، والأمة القومي بقواعده المليونية المصادمة بالنشأة والمراس الموروث، والمجتمع المدني بحصافته الفكرية. وقال هذا التجمع ذو الخبرات التاريخية في أكتوبر وأبريل وما قبلهما هاؤم اقرأوا كتابي. إنه قرر مقاومة الانتخابات القادمة وليس فقط مقاطعتها. وقرأ النظام الكتاب. استشاط غضبا. فالعشر قام ليه أخيرا. جاء رد الفعل سريعا: مزق النظام أوراق مشروع (الوثبة) ورماها في سلة المهملات. وأعلن تعبئة مليشيا حزبه المسماة بالدفاع الشعبي وسوف تصحبها مليشيا الجنجويد المسماة بالدعم السريع. دعم سريع ضد أبناء الوطن الواحد .عووك يا شعب: أنت نائم أم طرفك نعسان!