08 نوفمبر 2025
تسجيلكلما حل يوم السابع من نوفمبر من كل عام إلا وتجتاحني ذكريات 7 نوفمبر1987، مثل عاصفة من الماضي لم تخفف السنوات من مرارتها رغم أنني أجهد النفس لأراها بعين المؤرخ لا بعين الضحية، وأحاول تحليل الأسباب والتداعيات التي تتصل بهذه الذكرى. يوم خلع زين العابدين بن علي أول رئيس للجمهورية التونسية الحبيب بورقيبة وهو في أرذل العمر، وتسلم هو مقاليد الحكم حتى هروبه إلى المنفى هو نفسه يوم 14 يناير 2011 خوفا من انتفاضة شعبية عارمة لم يكن لها لا زعيم ولا مشروع. من عجائب التاريخ التي لا يعرفها الشباب التونسي وعاشها جيلي في طفولته أن الزعيم بورقيبة كان عام 1957 رئيسا لحكومة الملك الصالح محمد الأمين باشا باي ثم انقلب عليه وخلعه يوم 25 يوليو 57 قبل ثلاثين سنة بالضبط من 87 وتكرر التاريخ بصورة عجيبة أي أن رئيس حكومة بورقيبة خلع بورقيبة تماما كما خلع بورقيبة الملك والأغرب أن بورقيبة كان سنة 57 في نفس سن وموقع زين العابدين وأطرد الملك من قرطاج كما أطرده بن علي من نفس قرطاج. التاريخ يستنسخ نفسه بشكل كامل. وبالطبع وصف الناس عملية انقلاب بورقيبة على الملك آنذاك بالثورة العظيمة بإعلان الجمهورية! لكن الفرق بصراحة هو أن الظروف الوطنية والعالمية المتغيرة لم تسمح لزين العابدين بإهانة الزعيم بورقيبة فأسكنه (فيلا) في مسقط رأسه المنستير إلى أن توفي فيها لكنه كان سجينا لا يستطيع أن يسافر ولا أن يستقبل من يريد! لكن مصير الملك المخلوع كان أسوأ على يدي بورقيببة حيث رموه في بيت مهجور في ضاحية منوبة ولديكم شهادات من بقي من الأسرة الملكية يندى لها جبين تونس بالعار! نعود إلى يوم التحول (العظيم) الذي عشناه أنا وبعض مسؤولين توانسة عملنا في مستويات مختلفة حول الزعيم بورقيبة. كنا نتابع أحداث السابع من نوفمبر من منفانا الباريسي ونعلق بعض الأمل على الجنرال بن علي الذي كان في عهدنا مجرد مدير للأمن وتربطنا به ظاهريا علاقات عادية وكان رئيس الحكومة محمد مزالي المنفي معنا يقول لي منذ صباح (السابع) إن زين العابدين ليس معوقا بماضيه فليس له ماض سياسي، ولعله يكون فرصة مؤقتة لتضميد الجراح وطي صفحة سوداء من تاريخ تونس كانت فيها بلادنا مهددة بالحرب الأهلية! وبسبب السن المتقدمة والأمراض البدنية والنفسية وتصارع ذوي المطامع الشخصية من أجل وراثته وتهافت القوى الأجنبية على مصير تونس أصبح بورقيبة لعبة في أيدي بنت أخته سعيدة ساسي التي هي بدورها لعبة في أيدي من كانوا يتصارعون على السلطة، وكانت البلاد في مهب الرياح. الحقيقة التي قلتها أنا نفسي لزين العابدين بن علي عندما رفع عني بعض المظالم واستقبلني في قصر قرطاج يوم 9 فبراير 2000 بعد 14 سنة منفى وملاحقة (إنتربول) هي أنه أنقذ بورقيبة من بورقيبة مهما كانت نتائج ما حدث من بعد 23 سنة من حكم بن علي لتونس.