08 نوفمبر 2025

تسجيل

الورقة الكردية من أنقرة إلى واشنطن

08 نوفمبر 2014

أعرب العديد من نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عن مخاوفهم من التطورات السلبية التي تجري في جنوب شرق تركيا أي في المناطق التي تقطنها غالبية كردية.يقول هؤلاء في المؤتمر التشاوري للحزب الذي انعقد على مدى أيام في أنقرة أن كل واحد هناك يسعى للتسلح، وسعر القطعة من السلاح(الكلاشينكوف مثلا) ارتفع من 250 دولارا إلى ألفين وخمسمائة دولار. ولعل أبلغ ما ورد على لسان النواب تحذيرهم أعضاء الحزب المشاركين في المؤتمر من أن يتسرب هذا الكلام إلى وسائل الإعلام والتمني الشديد على أن يبقى داخل المؤتمر.قبل ذلك ورد على لسان أحد الوزراء من حكومة حزب العدالة والتنمية أن الحكومة كانت تعرف أن المقاتلين التابعين لحزب العمال الكردستاني لم ينسحبوا من داخل تركيا إلى شمال العراق إلا بنسبة قليلة جدا، وخلافا لما كان يجب أن يتم.تطرح هذه الإشكاليات شكوكا ومخاوف وأسئلة حول مسار ما يسمى بـ "عملية الحل" للمسألة الكردية في تركيا والذي بدأ منذ سنتين بالضبط مع بدء مفاوضات مباشرة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني عبر زعيمه المعتقل في السجن في تركيا عبدالله أوجالان.منذ سنتين وعملية الحل تشهد إيجابية وحيدة وهي وقف النار وتلافي سقوط قتلى من الجانبين، غير أن هذه العملية تأخرت كثيرا في الوصول إلى نتائج عملية والبدء بالعد العكسي لمشكلة مزمنة عمرها على الأقل تسعون عاما أي من عمر الجمهورية التي تأسست عام 1923 على قاعد إنكار الهوية الكردية ولا تزال هذه الذهنية قائمة إلى حد كبير.تخشى النخب التي توالت على الحكم في تركيا سواء بشقها العلماني أو الإسلامي، كسر جدار إنكار الهوية الكردية ووجود 12 مليون كردي لهم الحق في لغتهم ومطبعتهم ومدرستهم وجامعتهم وتقرير مصيرهم بأنفسهم ولو في الحد الأدنى المتمثل في الحكم الذاتي. ولقد أغدقت أنقرة الوعود الكثيرة منذ الثمانينيات ولكنها لم تترجم هذه الوعود في خطة عملية وتطبيقية.الوقت لا يعمل لصالح أنقرة، وما كان يمكن أن يكون مقبولا في السابق ربما ما عاد ممكنا القبول به الآن، ويسري ذلك تحديدا على الشق الخارجي من المسألة قبل أن ينطبق على الظروف الداخلية في تركيا، ذلك أن جانبا أساسيا من ظهور المشكلة الكردية في تركيا متصل ببعد خارجي يؤثر سلبا أو إيجابا على مسار المشكلة في الداخل.وإذا كان ظهور فيدرالية كردية في شمال العراق أقرب إلى دولة مستقلة منها إلى فيدرالية تابعة للجمهورية العراقية هو الحدث الأبرز والذي عقّد مسارات حل المشكلة في تركيا، على قاعدة أن الفيدرالية الكردية في العراق تحولت إلى نموذج يتطلع إليه أكراد تركيا ولو بعد حين، فإن تطورات الحرب في سوريا والعراق وظهور تنظيم "داعش" وتمدده في العراق أولا ومن ثم ظهور معركة عين العرب"كوباني" قد عقّدت أكثر احتمال الوصول إلى حل للمشكلة الكردية في تركيا.إذ إن محاولة "داعش" احتلال اربيل والمنطقة الكردية في شمال العراق قد وطد اللحمة القومية بين أكراد العراق وتركيا حيث شارك مقاتلو حزب العمال الكردستاني بفعالية في الدفاع عن أربيل وبرز الحزب على أنه قوة تحررية من جهة وله دور مؤثر خارج الأراضي التركية من جهة ثانية وهو ما يثير حساسية أنقرة ويزيد من مخاوفها من منح أي صيغة لحكم ذاتي لأكرادها في ظل قيادة كردية لا تعرف طموحاتها سقفا.أما مسألة عين العرب"كوباني" فقد أضافت تعقيدا آخر اسمه الحماية أو الوصاية الأمريكية على المسألة الكردية في سوريا وتركيا. إذ إن رفض تركيا مساعدة أكراد كوباني وإصرار واشنطن على الدعم خلافا لإرادة تركيا، أوقع الورقة الكردية في سوريا، كما في تركيا نظرا لأن المدافعين عن كوباني هم في خندق واحد مع حزب العمال الكردستاني، بيد الولايات المتحدة الأمريكية في وقت كان يمكن لتركيا أن تكون السباقة والمبادرة ومن دون ضغوط داخلية ولا خارجية إلى التعامل مع شريحة واسعة من شعوبها بعين الحق والعدل والمساواة ويكونون حماة أشداء لوحدة تركيا وركيزة لمضاعفة تأثيرها الإقليمي والدولي. لكن هذا لم يحصل، ولا غرو أن يشعر الأكراد بالإحباط فيزيدوا من تسلحهم حتى على المستوى الشعبي وليس الحزبي فقط، ولتظهر بالتالي صرخة نواب حزب العدالة والتنمية المحذرة من واقع خطير لا يمكن تجاوزه ومنع انفجاره سوى بالتخلي عن ذهنيات مزمنة والإقدام بشجاعة على ولوج الحل من بابه السليم وهو الاعتراف بالهوية الكردية كاملة وبناء دولة حداثة على قاعدة صلبة من الحريات والديمقراطية، وخلاف ذلك فإن سكين التقسيم والتفتيت تمعن في الجسم العربي والإسلامي على امتداد الجغرافيا الإسلامية وليس من قوة قادرة على إيقافها أقله حتى الآن.