05 نوفمبر 2025
تسجيلفى التكنولوجيا، يقولون "ان الشتيمة غدت اسهل"، فحينما تلعب المواجهة — على الأقل — دورا فى فرض الاحترام تلعب الغيبة الالكتروينة دورا فى اخصاب ارض الشتم والقذف والسب. ولكنها لن تعود سهلة بعد اليوم لمن ادمنها!!! يبدو انه لم يسلم احد فى المجتمعات الافتراضية من القذف وبالعامية "الشتم"، حتى تداعت قوانين بعض الدول كما السعودية مؤخرا لسن عقوبة على اساءة استخدام حق حرية التعبير لتصل غرامة التشهير والقذف على "فيسبوك وتويتر" الى 500 ألف ريال حيث يعامل الاعلام الالكترونى فى القانون السعودى معاملة الصحف. وقد أكد وكيل وزارة الاعلام فى تصريحه "أن تويتر ليس عذرا لهدم القوانين فللناس حرمات والمؤسسات الاعتبارية لها حرمة، فالنقد شيء والتجريح والاستباحة شيء آخر. فلا أحد يتعذر بحرية الرأى للاساءة للآخرين فتويتر ليس له قداسة.. هو أو غيره، فالحرمات هى الحرمات والنظام هو النظام". كلام منطقى وصحيح، وحقيقة لن ندعى الطوبائية فى جدوى تنفيذ مثل هذا القانون فى عالم اليوم، ولكننى لست ألوم السعودية فى ذلك رغم اننى أتمنى ان يكون الردع ذاتيا لا خارجيا — خصوصا مع الاسفاف الذى تردى اليه الكثير من المستخدمين العرب فى مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا عن الانتحال غير الاخلاقى لشخصيات أخرى،اوالظهور باسماء مستعارة تمكن بعض مستخدميها من النيل من الأشخاص والنوايا انتقاما او تشفيا او حربا لسانية وتجريحا اصبحت الوسائل لا ادوات تعبير حر وتمكين فى يد الشعوب المغلوب على امر حريتها، ولم يتركوها وسيلة للتثقيف وكشف ما غمره الظلم والديكتاتوريات، بل تحولت الى وسائل محرضة على العداوة والكراهية والتنابز بالألقاب. ديك كوستولو الرئيس التنفيذى لموقع التواصل الاجتماعى تويتر فى حوار له مع صحيفة '' لوس أنجلوس تايمز '' — ذكر أن بلاد الحرمين هى أكثر دول العالم نموا على تويتر بمعدل شهرى تخطى 3000 %. كوستولو نفسه نبه بشكل عام الى "ان تويتر سلاح ذو حدين كونه يسمح بالتسجيل بالأسماء المستعارة وبحسابات متعددة، فهو من جهة يتيح الحد الأعلى من طرح الآراء على جميع الأصعده، لكنه يسمح لأى شخص بنشر خطاب الكراهية فى كل اتجاه وتوجيه الشتم والسباب، والهجوم على المشتركين الآخرين" فى الشرق الأوسط وغيرها، غدا تويتر فوق التثقيف ومقارعة الرأى بالرأى والحجة بالحجة وسيلة فتن حقيقية وبذور فرقة وشتات و"لسان بذاءة" لدى الكثير، كان الأجدر بنا كشعوب ان نحافظ عليه ونضفى عليه من أدبياتنا الجمّة، ولكنه انحدر او بالأصح انحدر به كثير من مستخدميه مما استدعى التفكير ببعض الآليات من توتير ذاتها الصيف الماضى سعيا لوقف لغة الكراهية، وحدا بعدد من الدول لوضع عقوبات "القذف" لعدم تفريق المستخدمين بين أطر المسؤولية والفرق بين حرية التعبير وحرية التشهير. نحن كشعوب مستخدمة فتنا بروعة وسائل التواصل الاجتماعى وصلنا الى قناعة تامة بعولمة جديدة لفلسفة اليونان قديما حين قال سقراط لأحد تلاميذه الساكتين: "تكلم يا اخى حتى أراك" هى اليوم عين الرؤية للكون وكأننا لدينا بلورة سحرية فتحت لنا الحجب وكشفت لنا المستور وما يخفيه الجميع للجميع من مفاجآت حكيمة فصيحة أو "ملسونة" بل عرّت لنا من منظور المثل العربى "كل اناء بما فيه ينضح". تاريخ الاغريق يعيد نفسه فحين أبدع فلاسفة اليونان فى المنطق ظهرت فرقة اخرى تنافسهم ليس على غرار صنيعهم تريد النزول لأرض الواقع ولكنها تاهت عن هدفها فحذقت علم الكلام الذى كان هدفه فقط التكسب أعنى به "السفسطة" فغدت دينهم وديدنهم لمجرد المجادلة فصارت لقبا يراد به الذم ويقصد به "المغالطة والتفكير الملتوي" أوليست الذات هى مقياس الحقيقة فى نظرهم والحقائق نسبية حسب رؤية من يراها فقط دون صحتها فى الواقع أو منطقيتها؟ أليس هذا هو "توتير" لدى الكثيرمن مستخدمى اليوم؟ سفسطة بل هجوم وهمجية من الطراز الحديث بأسلوب آخر وبطريقة تكنولوجية عصرية هى "الاصدار الثانى الفريد من السفسطة" ولم تكن أبدا وسائل وضعت لل "غوغائية". وعند من؟! عند العرب الذين ابدعوا فى تقدير قيمة الفكر ورسوله "اللسان": فقالوا فى البلاغة:المرء مخبوء تحت طيّ لسانه لا طيلسانه". بل جاء دينهم ليتمم مكارم الأخلاق، فقد قال الرسول — صلى الله عليه وسلم: " "ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء " لن يؤسفنا أننا لا نعول كثيرا على قوانين الردع لا فى السعودية ولا غيرها من دولنا التى ضجت بشتائم ادوات التواصل خصوصا وانه يتيح فن التخفى والانتحال... فلم تجدِ قوانين الردع فى المجرمين لتجدى فى "الملسونين" الهمازين المشائين بالنميم، وقد تترك للزمن، وربما اضرموا النار فى هشيمهم قبل غيرهم، ولكن ما يؤسفنا ويحزننا حقا أننا لم نعد نعول كثيرا على كثير من العقول التى كنا نراها ساكتة تحت الشماغ والعمائم والحجب. تعرّت المجتمعات ونضح كلّ بما فى انائه. والمعوّل اليوم رجاحة عقل كل انسان فى التمييز بين الغثّ والسمين، وفى التمييز بين الحديث الواعى وبين فرد العضلات والسفسطة اللفظية "وما اللسان الا اهم عضلة.. " أتمنى أن يفطن كل مستخدم أن الخسارة الحقيقية ليست دفع نصف مليون، غرامة ولكن هى ان يخسر المستخدم المتطاول اسمه وسمعته بسبب لسانه ليقول سقراط "ليته سكت".