07 نوفمبر 2025
تسجيلالموقف التركي من الصلف " الإسرائيلي " في قضية كسر الحصار على غزة والسفينة " مرمرة " وقبل ذلك من العدوان على غزة كلها مواقف عظيمة بكل المقاييس وهي الرد الطبيعي الذي يعبر عن فهم القيادة التركية لمفهوم الاستقلال ولمضامين الشخصية العثمانية وهو ما سيحسب رصيدا كبيرا لتركيا وللحزب " الإسلامي " الحاكم .. بالأخص إذا ما قورن هذا الموقف بموقف المجلس العسكري المصري من العدوان الصهيوني على سيناء وقتل وجرح الجنود والضباط الاثني عشر المصريين الذين انتهت قصتهم - للأسف – باثنتي عشرة كلمة من الأسف " الإسرائيلي " وببيان من المجلس العسكري المصري لا يلمح لأي تهديد ولا يرتفع عن لغة الإنشاء الديبلوماسي ، وبإقامة جدار عازل لحماية السفارة الصهيونية في القاهرة من الثوار الغاضبين .. ومن يدري ! فقد يتبع ذلك عمليات هدم الأنفاق بين غزة وسيناء في خطوة ستذكرنا بحسني مبارك وموقفه من تحميل الفلسطينيين مسؤولية أي تصعيد مع الاحتلال .. هذه المقارنة بين الموقفين التركي والمصري ربما لم تكن ذات وجاهة في زمن الساقط حسني مبارك ولكنها اليوم في ظل الثورة المصرية المجيدة تعني شيئا ؛ بل شيء كبير .. فالمفروض أن التلكك في الرد على العدو والركاكة والفهاهة في مخاطبته قد ولت مع ذلك القاسي على شعبه الذليل مع أعدائه .. ولكن يبدو أن المجلس العسكري – الذي هو جزء من النظام السابق – لا يزال ينطلق من ذات المرتكزات التي أهانت الشعب المصري منذ مساعي السلام بعد حرب أكتوبر رمضان 73 .. إن الرد الذي اكتفى به المجلس العسكري المصري على العدوان والاستخفاف الصهيوني بمصر وحدودها ودم جنودها بالتأكيد لا يعبر عن روح الثورة وهو رد ضعيف ومتملق على حادثة اعتبرت في " إسرائيل " كما في غيرها أحد أهم الاختبارات لحكومة عصام شرف وما إذا كانت حكومة ثورة وحكومة شباب وما إذا كانت تقرا بواقعية لغة الدم التي يزعق بها العدو ليل نهار ؛ أم أنها لا تزال متمترسة في مربع الذل والإلحاق والفهاهة السياسية والتنفس الاصناعي تحت السقوف المنخفضة والمجاملات المهينة .. وأقول : لا بد من تقرير جملة حقائق لا يجوز أن نختلف عليها ومن الخطأ والخطر تجاهلها ؛ 1- العدو الصهيوني لا يزال عدوا رغم كل الاتفاقيات والتطبيع وعشرات السنين من التبادل السياسي والأمني الذي كان النظام الساقط عرابها وقرن الشيطان فيها .. 2- عملية التسوية لم تغير من حقيقة العداوة مع الكيان الصهيوني شيئا .. بل على العكس فقد ساهمت في فضح حقيقة هذه العداوة .. هذا هو الواقع إلا إذا كان البعض يريد رؤية الأمور على غير حقيقتها ويريد التزييف والتغليف .. 3- العدو الصهيوني يمكن رده وردعه وهزيمته وعلى من يجادل في ذلك أن يحرك ذاكرته قليلا تجاه معادلة إيران التي واجهت العالم كله ببرنامجها النووي وتجاه تركيا التي طردت السفير الصهيوني ، بل تجاه منظمات كحزب الله في جنوب لبنان وحماس في جنوب فلسطين اللتين كسرتا الكثير من معادلات أمنه وردعه .. وإذا كان الكلام ينصب على موقف مصر – أو خوف مجلسها العسكري – فلنعد إلى عام 1973 حيث حرب رمضان أكتوبر .. 4- ثلاثة محظورات لا يجوز بأي حال أن يتضمنها أو يتأسس عليها الموقف المصري وخصوصا بعد الثورة المجيدة التي نجحت في قلع وخلع الخوف قبل أن تنجح في قلع وخلع الطاغوت المتأله على شعبه ؛ المحظور الأول : يحظر على النظام القائم أو القادم الاستمرار في تقبل وتجرع الاعتداءات الصهيونية دون أن يكون لذلك أثر على العلاقات التطبيعية بينهما .. المحظور الثاني : لا يجوز أن يعول النظام القائم أو القادم على قلة وعي الشعب المصري وشعوبنا عموما بمعاني السيادة الوطنية والدم الوطني وحقيقة العدو وضرورة مواجهته وبطلان التحجج بالضعف والعجز أمامه ، المحظور الثالث : لم يعد مقبولا من النظام القائم أو القادم أن يعود لسياسة الانكفاء على الداخل المصري وأن مصر أولا وثانيا وأخيرا ( التي اعتمدها السادات وحسني وجماعة كوبنهاجن ) ؛ فالثورة المصرية تنتمي للربيع العربي وعودة مصر للمشهد الإقليمي والقومي هي إحدى أهم مترتبات الثورة 5- إسرائيل تحسب لمصر ما بعد الثورة كل حساب وهي تخشى أن ينضج النظام السياسي المصري باتجاه مرتكزات هذه الثورة وطنيا وقوميا .. بما لا يسمح لها بممارسة " البلطجة " الإقليمية .. لكن ما تخشاه " إسرائيل " هو ذاته بالنسبة لنا وللشعب المصري موضوع الاختبار لأية حكومة ولأي مجلس عسكري يقود الحكومة أو تقوده الحكومة .. البعض ربما يعتبر مطالبة مصر بامتلاك القدرة العملية والفعالة على رد وردع العدو تهورا والمستحيل بعينه .. وهؤلاء في الحقيقة إنما يتكلمون من واقع الإحساس بالهزيمة ومرارة اليأس التي تليطت بها أدمغتهم وتنشأت عليها ثقافتهم .. وإنما يتكلمون بلغة ركيكة لا تناسب استقلال مصر واحترامها وتاريخها ومكانها ومكانتها وحجمها .. ونسألهم : أليس لمصر ما تحرص عليه وما تخاف عليه ؟ أليست مصر مستهدفة وبالأخص بعد الثورة وتداعياتها ؟ أليست مصر في عين العاصفة الصهيونية وعلى حدودها ؟ أليست دولة جنوب السودان الصليبية الصهيونية حقيقة ؟ أليس خطرها على مصر والسودان واقع ؟ وما معنى أن تصر هذه الدولة الخبيثة المعادية على فتح سفارتها في القدس وهو ما لم يجرؤ عليه أخص حلفاء العدو ؟ أليست تقيم على منابع النيل ؟ أليست تهدد مصادر مياه مصر وحياتها ؟ أليس يمكن أن تبالغ في تحدياتها وتعدياتها ؟ أليس يمكن أن تعزل مصر عن دول إفريقيا وعن عمقها الإفريقي ؟ أليس يمكن أن تصير سكينا في خاصرة مصر وخاصرة السودان لإضعافهما وتخويفهما وإبقائهما حوالي بيت الطاعة الصهيوني ؟ أليس هذا كله يربك القرار الاستراتيجي والسيادي لمصر والسودان ؟ فهل لدى الهزومين المأزومين الذين استخذوا للعدو ولا يفكرون بالنهوض بديل يجيب على كل هذه التحديات ؛ أم أن غاية إدراكهم تتوقف عند التفريط بمصر واستقلالها وأن تظل تجرجر الخضوع وتتجرع الخنوع وتستجدي السلامة ؟ ومتى وكيف سينتهي هذا الفصل البائس والحال اليائس ؟ ثم لماذا مصر التي هي قائدة العرب ورائدة الأمة يراد منها ذلك وتراود عليه ؟ ولماذا يتوجب عليها أن تفرط في نقاط القوة التي تمتلكها لحماية نفسها ومصالحها وتثبيت زوايا مربعها الاستراتيجي ؟ فإن شئنا أن نتكلم عن إمكانات مصر الاستراتيجية خارج الإرادة الصهيونية والغربية وخارج إطار الخجل والفهاهة .. فإن علينا أن نحترم وجود خبراء يعرفون من أين تؤكل الكتف ولديهم القدرة على صناعة استراتيجيات للعالم كله إن شاؤوا .. السؤال هو هل من إرادة سياسية لذلك أم أننا لا نزال في عهد مبارك بوجوه مختلفة ؟ أليست عدالة قضية مصر وقضية أمتها توفر لها الأساس الأخلاقي والقانوني لأية مواجهة محتملة مع العدو ؟ أليست تستطيع أن تحيي عمقيها العربي والإسلامي وتوظفهما في معركتها العادلة ؟ أليست تملك إمكانات بشرية واقتصادية وجغرافية هائلة ؟ ولماذا لا نتكلم عن إمكانية تطوير خطط استصلاح سيناء لتكون استطلاحا أكثر من زراعي إلى ديموغرافي وإسكاني وإلى حشدها بنخب شابة ذات طبيعة " مقاومة " يمكن أن تشكل سدا بشريا يؤمنها من جهة الكيان الغاشم ويعطيها فرصة التحرك نحو الجنوب لحسم كثير من العالقات هناك .. على غرار ما يفعل العدو عندما يقيم المستوطنات بأنواعها ( الأيديولوجية والأمنية والاقتصادية والعسكرية .. ) قرب الكثافات السكانية في المناطق التي يغلب على ظنه أنها ستكون ساحة نزال تاريخي مع أعدائه .. آخر القول : على مصر الثورة أن تردع الكيان الصهيوني .. وأن تحيي أسباب قوتها .. وأمامها نماذج نظم ونماذج منظمات .. فأمامها إيران إن شاءت سلوك مواجهة بطعم العداوة والتحدي ، وأمامها تركيا إن شاءت مواجهة إرادات ومكاسرات سياسية وديبلوماسية .. وأمامها أن تملأ سيناء بالأشداء من الرجال .. وفي لبنان وفلسطين خير مثال .. أما الذي لا يجوز بحال فهو أن تبقى في ردات الفعل وأن تقيم على الضيم وأن تتقبل الاعتداءات وتكتفي من الغنيمة بالإياب !!