06 نوفمبر 2025

تسجيل

التمكين السياسي والدبلوماسي للمرأة القطرية

08 مارس 2021

شهدت العقود الماضية اهتماما عاليا بقضايا وحقوق المرأة حتى تم إطلاق عام 1975 كسنة عالمية للمرأة وتم خلالها الإعلان عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي تسعى إلى ضمان الحد الأدنى لحماية حقوق المرأة وتمكينها من المشاركة الفعلية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومنذ حينه، تضاعفت جهود الحكومات والمنظمات الدولية والحقوقية وتعاقبت المؤتمرات والندوات ونشاط الحراك الثقافي والأكاديمي والبحثي في المطالبة بحقوق المرأة في كل مكان والتركيز على دورها ومسؤولياتها المهمة في بناء وتطوير أي مجتمع حتى أجمع العالم على الالتزام بتحقيق أهداف خاصة تعنى بتمكين المرأة عبر أهداف التنمية المستدامة 2030 واعتبار "تحقيق المساواة وتكافؤ الفرص" محور وأساس بلوغ أي تنمية مستدامة في أي مجتمع من خلال المشاركة السياسية الكاملة للمرأة في جميع مستويات صُنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة. عالميا، وبعيداً عن التحفظ على بعض بنود اتفاقية سيداو وتوجهات الحركات النسوية، فإن كل ما أحرزته المرأة من مكتسبات أكاديمية ومهنية خلال العقود الماضية، رغم إصدار الكثير من التشريعات والقوانين التي تعنى بضمان عدالة تطبيقها وحماية حقوق المرأة، إلا أنه ما زال هناك بعض التحديات التي تحول دون تطبيق هذه القوانين والسياسات لاعتبارات ثقافية مجتمعية، الصورة النمطية للمرأة في المجتمع، كفاءة تطبيق البرامج والخطط التي تعنى بتمكين المرأة وغيرها، الأمر الذي انعكس بدوره في عدم التمثيل المتوازن للمرأة في مراكز صُنع القرار وتحديدا في المجال السياسي والدبلوماسي. ونظرة سريعة على بعض إحصائيات عام 2020 نجد أن 25.5% نسبة تمثيل النساء في البرلمان عالميا، 32% نسبة تمثيل المرأة في برلمان أمريكا و30% المرأة في أوروبا، 17.5% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - وهو الأقل عالميا. عربيا وإقليميا، رغم ما حصلت عليه المرأة العربية من مقاعد في البرلمان- مثل تونس ومصر- ورغم أن جيبوتي أول دولة عربية تمنح نساءها الحق في العمل السياسي عام 1946 ولم يفلح إلا القليل منهن في الوصول الى البرلمان، تلتها لبنان عام 1952 ولكنها لم تدخل البرلمان إلا بعد 40 عاما، ثم الأردن عام 1974 حيث دخلت البرلمان بعد 25 سنة، فان تمثيل المرأة العربية ما زال هامشيا. وخليجيا، فان الحديث عن مشاركة المرأة الخليجية في العمل السياسي يعتبر تجربة حديثة، من حيث التشريع والمشاركة، ولا يمكن مقارنتها بغيرها من النساء في المنطقة العربية لنفس الاعتبارات المذكورة أعلاه أهمها الإرث الاجتماعي والثقافي وما يرافقه من صورة نمطية لدور المرأة في المجتمع، صوت القبيلة، جمود التشريعات والقوانين الخاصة بتمكين المرأة (فسن التشريعات وتنفيذ برامج التمكين لا يعني أبداً مشاركتها الفعلية)، علاوة على أن تمكين المرأة الخليجية سياسيا– إنما هو على الأغلب مرتبط بقرار وتوجه سياسي ولم تحتاج المرأة إلى الخروج في مظاهرات سياسية ومواجهات مع الحكومة للمطالبة بحقوقهن في الترشح والتصويت والمشاركة الفعلية في السياسة. وأخذاً في الاعتبار هذه الجدليات، فإن التساؤلات التي تطرح نفسها هنا بقوة على سبيل المثال عند الحديث عن المشاركة السياسية للمرأة: ما الذي منع أو عطل المشاركة الفعلية للمرأة الكويتية رغم حراكها الانتخابي منذ عقود؟ وما الذي يعوق المرأة القطرية من المشاركة والتمثيل الأعلى في المجال السياسي والدبلوماسي رغم دعم القيادة السياسية ومكتسباتها التعليمية والمهنية؟ هل سيغلب الإرث الثقافي والاجتماعي وصوت القبيلة الذكورية على مشاركة المرأة القطرية، وهل سيتم حشد نساء القبيلة لقيادة عملية انتخاب رجال القبيلة؟ وهل ستتمكن المرأة القطرية من رفع نسبة مشاركتها وشغلها للمناصب السياسية والدبلوماسية بعيدا عن أي تدخل رسمي؟ وهل ستشارك المرأة القطرية في الحراك الانتخابي القادم أم ستكتفي بدورها التقليدي في المجتمع، وهل هناك عوائق أخرى؟ إن المشاركة السياسية للمرأة الخليجية بشكل عام والقطرية بشكل خاص لم يعد مطلبا أساسيا دوليا واستجابة لضغط المنظمات الدولية والاتفاقيات فقط بل أصبحت مطلبا حقيقياً لأي تنمية مجتمعية، بل إنه ضرورة وطنية ومجتمعية ومهمة جدا في ظل ما حققته المرأة القطرية من إنجازات في تحصيلها العلمي والمهني ومشاركتها الاقتصادية في قوة العمل وفي ظل متطلبات مرحلة التحول نحو المجتمع الديمقراطي وبدء الانتخابات قريبا. ولمحة سريعة على بعض مكتسبات المرأة القطرية نجد أنهن يمثلن 0 7 % من خريجي برامج القانون والهندسة والطب والصيدلة ونظم المعلومات والعلوم، 58.3% في سوق العمل بتمثيل جيد في السياسة الخارجية والأمن والقضاء، 15% في ريادة الأعمال باستثمارات بلغت 25 مليار دولار. ولا يمكن الحديث عن تمكين المرأة القطرية دون الإشادة بالجهود التي قامت بها صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر ودورها المحوري ليس فقط في تمكين المرأة القطرية محليا وخارجيا، بل في اتاحة الفرصة للكثير من الفتيات والنساء في جميع مشاريعها ومبادراتها. وحفاظا على الرغبة الجادة والمنهجية للقيادة القطرية منذ أواسط التسعينيات (كما بدأه صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والشيخة موزا بنت ناصر، ومواصلة هذا النهج الصحيح من قبل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى) في تمكين المرأة سياسيا في مجلس الوزراء والسلك الدبلوماسي ومجلس الشورى، ولاستثمارا أفضل لمكتسبات المرأة القطرية، التي لم تكن نتيجة توجه سياسي فقط ولم تأت من فراغ أو نسخ لتجارب أخرى أو حتى انصياع لمطالب دولية، وإنما نتيجة لرؤية سياسية واضحة لرفع مستوى جاهزيتها للمشاركة الفعالة كمواطن متمكن وواعٍ، فإننا نقترح ضرورة العمل على تفعيل البرامج الاستراتيجية المنصوص عليها في رؤية قطر الوطنية وإستراتيجيتها التنموية لضمان مشاركة المرأة القطرية في المراكز القيادية في المؤسسات الحكومية بشكل عام والسياسية والتشريعية بشكل خاص، وأيضا فتح المجال أمامها للمساهمة في عملية التنمية ورسم سياسات وإجراء التعديلات حقوق المرأة والأسرة من خلال: - العدالة وليس المساواة في سن وتشريع الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل وبالذات في توفير قوانين العمل والموارد البشرية الممكّنة لتحقيق التوازن المنشود بين الأسرة والعمل على سبيل المثال توفير نظم عمل مرنة (الجزئي وعن بعد)، إجازات أطول للولادة والرعاية وساعة الرضاعة وغيرها وبامتيازات مالية معينة. - العدالة - وليس المساواة- في تطبيق التشريعات والقوانين الخاصة بتمكين المرأة وتكافؤ الفرص، فسنها في حد ذاتها لا يعني تمكينها! وما أكثر النصوص التشريعية والقانونية التي بقيت حبرا على ورق منذ تشريعها لاعتبارات عدة يتعلق أكثرها بالموروث الاجتماعي والثقافي لفكر من يُطبقه مثل إجازة الرعاية والوالدية وساعة الرضاعة وقوانين أخرى وفقا لمعايير وضوابط معينة. - رغم عدم إيماني بجدواه، ولكن لحداثة التجربة القطرية وللتغلب على الموروث الثقافي والقيود الاجتماعية ولحين تبيان أثر ونتائج الانتخابات القادمة وتطور العمل السياسي، أرى ضرورة تبني نظام الكوتا لضمان تخصيص بعض المقاعد وتوازن التمثيل في المواقع السياسية والبرلمانية ومراكز صنع القرار والسياسات. عضو مجلس الشورى ‏Twitter: @halmuftah