05 نوفمبر 2025
تسجيللا يختلف اثنان في عالمنا العربي وكذلك أهل الرأي في العالم بأن الثورة المصرية عام 1952 أحدثت زلزالا سياسيا في الشرق وأربكت ساسة أوروبا وأمريكا، تلك الثورة كانت على أيدي شباب من ضباط الجيش المصري، حدثت نتيجة لفساد حكم وهيمنة بريطانية واحتلال جزء من أراضيه " قناة السويس " وهزيمة لجيشه في حرب فلسطين والقائمة تطول عن أسباب تلك الثورة، لم تواجه الثورة بعداء من قبل الأنظمة العربية في بادئ الأمر، باختصار تربص بها الكثير من الأمم فيما بعد وشنت عليها حروب شرسة العدوان الثلاثي عام 1956، الحصار الاقتصادي، حرب 1967 وأخيرا واقعة كامب ديفيد عام 1978 تلك الثورة حققت إنجازات عظيمة للعرب ولمصر كما أنها منيت بانتكاسات نتيجة لتكالب الأعداء عليها من كل جانب. (2) قبل تناول هذه الثورة لابد من التأكيد بأن شرارتها ثم لهيبها تأجج عند الشعب المصري بعد ثورة الشعب التونسي العظيم، وضرب جيشها مثلا يحتذى به عندما وقف لجانب الشعب التونسي وطلب من طاغية تونس بن علي الرحيل في خلال ساعات وإلا فإن حياته ستكون في خطر، الثورة الثانية التي هزت العالم هي ثورة الشباب المصري (25 يناير/ 2011) إنها ثورة بكل المقاييس، إنها خرجت من صفوف الشعب دون تنظيم مسلح يحميها ويستولي على كل مفاصل الدولة ويحيط القصر بقواته ويعلن البيان الأول لسقوط النظام وفرض حذر التجول وتعليق أحكام الدستور وإنما كان البيان الأول لهذه الثورة المباركة هو المطالبة سلميا برحيل رأس النظام وإسقاط مؤسساته التي عبثت بالبلاد والعباد، وجذرت لمنهج الفساد والمفسدين وشدت من أزر الظالمين ولصوص ثروات الشعب لثلاثين عاما خلت. بسرعة تشبث الغريق بالحياة، وبعد محاولات قهر شباب هذه الثورة عن طريق معركة الحيوان ضد الإنسان التي شنها الجيش السري للنظام القهري، وبعد محاولات جحافل الأمن ومرتزقة الحزب الحاكم وفشل كل تلك المحاولات أقدم النظام لتقديم بعض التنازلات، فعين مدير المخابرات (سليمان) نائبا له، إنه الضالع في كل أزمات الوطن العربي وأزمات مصر الإستراتيجية. وحل الوزارة وعينها من جديد مع تبديل بعض الوجوه، وعاد إلى " شركة الحزب الوطني الديمقراطي " ليقيل لجنتها المركزية ويعين بديلا عنهم، وهذا يخالف الأعراف الحزبية، لكن ما فعله مبارك هو كما يفعل صاحب الشركة القابضة، كل هذا ليقول للعالم وللثوار في ميادين مدن وأرياف مصر أنه قدم تنازلات استجابة لثورة الشباب وكأ ن المطلوب هو تغيير وجوه لا تغيير نظام طغى وتجبر. (3) من المؤسف أن نرى بعض مثقفي مصر العزيزة والذين نكن لهم كل احترام وتقدير يسارعون بوعي أو من دون وعي إلى مساعدة إخراج النظام من عزلته وانهياره ليتنفس الصعداء عن طريق ما تعارفوا على تسميته، لجنة الحكماء، أو لجنة زويل، أو لجنة العوا وغيرهم تسارعوا لتقديم الحلول عن طريق التفاوض مع (عمر سليمان) ذي الشهرة في تمييع القضايا والمطالب المشروعة لثوار مصر الشباب كما كان وما برح يفعل في التفاوض مع المنظمات الفلسطينية لصالح إسرائيل ودامت تلك المفاوضات لأكثر من سنتين. حقا إنه يملك مهارات التفاوض وإنه قادر على جر هذه اللجان وأصحاب النوايا الحسنة من أفرادها إلى متاهات لكسب الوقت وإيجاد بدائل لبقاء النظام المترنح تحت صرخات حناجر وقبضات أيادي الثوار في كل مدن مصر وقراها المطالبة برحيل النظام برمته. إني أخشى عليكم أيها الشباب الثائر من توريط الجيش ضد رسالتكم الوطنية تحت ذريعة حمايتكم من البلطجية والجيش السري التابع للحزب الحاكم، فلا تجعلون لهم عليكم سبيلا، أخشى عليكم من قناصي الفرص وركاب الموجة من بعض " المثقفين " أصحاب المبادرات لوأد ثورتكم المباركة، أخشى عليكم من الحرب النفسية التي تقودكم إلى اليأس تحت ذريعة لقد تمت الاستجابة لمطالبكم. إني أدعوكم وكل مثقفي مصر الطاهرة والشعب عامة أن توقفوا كل اتصال برموز النظام القائم لأنه لم يصلح حاله خلال ثلاثين عاما ولن يصلح حاله فيما تبقى من عمرة إن أي محاولة للتفاوض مع أي من رموز النظام المعتل صحيا أن يكون عن إنهاء هذا النظام لا عن إصلاح ما أفسده. إن القول إن الدستور لا يمكن تعديله إلا بأمر من الرئيس والسؤال لو مات الرئيس فجأة ألا ينص الدستور على تولى نائبه إن وجد، أو رئيس مجلس الأمة أو رئيس المحكمة الدستورية العليا مهام المرحلة الانتقالية وفي خلال ستين يوما يتم انتخاب رئيس للجمهورية وإتمام إجراءات الإصلاح بإرادة شعبية؟ الثورة الثالثة هي الإعلام المتلفز وجنرالاته هم مراسلو الجزيرة الفضائية فلهم التحية من كل العرب الشرفاء.. وللحديث بقية.