05 نوفمبر 2025
تسجيل«ليس عليك إسعاد الجميع ولكن عليك أن لا تؤذي أحداً» تلك إحدى المقولات المأثورة لجورج برنارد شو والتي تناقلتها الاجيال عبر الزمن، وتحثُ على الاهتمام بالذات أولاً والبحث عن الوسائل التي تُسعدها والتي تجعلها في صحة نفسية متزنة وإرضائها ومن ثم التفكير في الآخرين، وربما كثير منّا يسقط ذاته من الاهتمام نظراً لاعتبارات وأوليات هو يرتبها في حياته وينسى نفسه، فيمكن أن يبحث عن الوسائل التي تُرضي الآخرين سواء كانوا أهلا أو زوجا أو أبناء أو أصدقاء وقد تتسع الدائرة لإرضاء المجتمع على حساب ذات الشخص نفسه، ومتى نسي الشخص ذاته وفضّل الآخرين عليها فسيدخل دائرة لا نهائية ولن يصل للرضا الذاتي أبداً لأنه يبحث عن رضا الآجرين على حساب نفسه! خَلقَنا الله تعالى لنعبده بما يرضيه ونستمتع في متاع الدنيا كما نود ولم يطلب منّا مهمة إسعاد الاخرين مهماً كانوا لكنه في المقابل طلب منّا عدم أذية الغير بل وتوعّد بعقاب كل من يؤذي غيره مهما كانت تلك الأذية وحذّر في كتابه الكريم من الظلم وبين عقاب الظالم في الدنيا والآخرة، وبالرغم من أن إسعاد النفس أهون بكثير وأسهل من أذية الآخرين إلاّ أنه وللأسف كثير من البشر ينسون إرضاء أنفسهم فيعيشون في أمراض نفسية تجعلهم يتسلطون على الناس ويؤذونهم دون وجه حق ومن شدة المرض الذي يعيشون به لا يشعرون بأذيتهم الغير وكأن الله أعمى قلوبهم فعلاً وجعلهم في طغيانهم يعمهون! وإسعاد النفس والذات ليس بالضرورة أن يكون في الأنانية المُطلقة التي قد تدفع الشخص لأذى الناس، فالتوازن مطلوب في إدارة الرضا الذاتي والمحافظة على العلاقات الإنسانية حولك وعمل الخير والإحساس بالآخرين، فإذا وضعك الله في موقف يمكنك أن تساعد أحدهم ولن يؤثر ذلك على ذاتك بل على العكس سيزيد من رضاك الذاتي وتسامحك وسيرفعك في عيون الناس لابد من القيام به، وعندما تعامل الناس بلطف وتعلو وجهك ابتسامة صادقة وتُرشد الناس وتعلمهم سيزيد ذلك من مستوى الرضا والتصالح مع الذات! يتحقق الرضا الذاتي عندما تفعل الخير لوجه الله ولتَنعم برضا الله، أما من عمل خيرا من أجل الناس ورضاهم فقط أو من أجل شهرة وتباهى فلن ينال من الرضا النفسي ولا الثواب الخالص من الله سبحانه، وفي حديث رواه النسائي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغى به وجهه)، لذلك يجب مراعاة الله في أعمالنا ليكتب لنا الله فيها الاجر أو قد يحاسبنا عليها والعياذ بالله! لا تسمح للآخرين بالتحكم في حياتك وخياراتك فمثلاً تُجبر على تخصص دراسي معين من أجل الاخرين، أو عمل لا يلبي طموحك او زواج لستَ مقتنعاً به، أو الذهاب لمكان لا يرضيك او القيام بعمل أو تصرف لا يتفق ورغباتك من أجل الآخرين، فعندما تتنازل مرة من أجل الآخرين سيتعود الناس تضحياتك ويعتقدون أنها واجب عليك في كل مرة ولن يسمحوا لك بالاختيار ولو فعلت سيعتبرون ذلك تمردا وستقع في أزمة بين هوى نفسك ورضا الاخرين الذين مهما فعلت لهم لن يرضوا عنك كل الرضا، فأهواء الناس متغيرة وقناعاتهم كذلك وإذا لم تكن صاحب مبدأ ولك أفكارك وشخصيتك وقناعاتك الراسخة فستصبح مسخاً من أفكار الناس وتضيع هويتك وشخصيتك وتتحلل ذاتك وتدخل في دائرة عدم الرضا الذاتي الذي يفرز العديد من المشاكل النفسية. اسع لإسعاد نفسك بما يرضي الله، وركز في حياتك وتفاصيلها وابق في دائرة مريحة بعيداً عن إزعاج الآخرين وتدخلاتهم في قراراتك وحذار من أذى الناس وأن آذوكَ اتركهم لله هو القادر على أخذ حقك منهم!