08 نوفمبر 2025

تسجيل

لو صدق العرب مع أنفسهم...؟

08 يناير 2011

يوشك جنوب السودان أن ينفصل عن شماله، وأزمات الفصائل الفلسطينية تتصاعد، والاحتجاجات الشعبية في كثير من البلدان العربية تتزايد، وروائح الفساد تزكم الأنوف، ووثائق ويكي ليكس تعكس تخاذلا وتآمرا وسوء ظن متبادلا بين أنظمة متجاورة ومتقاربة، و......و ... هذا هو الواقع العربي المؤلم الذي لا مناص من مواجهته بالصدق مع النفس. فالمواطن العربي - في ضوء الأوضاع العربية الراهنة- يشعر بالأسى والضعف والهوان عشرين مرة في اليوم حيت يتابع نشرات الأخبار على الشاشات الفضية، حين يرى جنود الاحتلال الصهيوني يدمرون بيوت الفلسطينيين العزل، ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد، وحين يرى جنود الأمريكان يقصفون – بما شاءوا من أسلحة – منازل العراقيين غير عابئين بقتل المدنيين، حين يرى العربي ذلك ويمد بصره ليرى أو يسمع أي رد فعل عربي فلا يجد إلا فنوناً من التمثيل والطبل والزمر، وحشوداً من مباريات كرة القدم وسباق الخيل والهجن وميداليات توزع، وكؤوساً يفوز بها الفائزون وكأن هناك حالة من الانفصام الحاد أصابت الوطن كله من المحيط إلى الخليج، حين يرى العربي ذلك العدوان، ويرى على المقابل، تلك المهرجانات الفنية والرياضة، يخيل إليه أنه سكران أو مخدر، أو يعيش في دنيا غير الدنيا‍‍!! لكن الحقيقة أن هذه عادة عربية لا فكاك منها، وهي أن يترك العرب الأمور تضيق إلى حد الاختناق، وعلى حين غفلة تهب الجماهير لتدفع الأنظمة إلى الطريق السوي الذي لا طريق سواه: طريق الاختيار المر: بين البقاء والفناء. وأعتقد أن المرحلة الراهنة تحتم على الأمة العربية أن تنهي ذلك لأن الروح بلفق الحلقوم. وشرارة هذا النهوض لابد أن تنبعث من ثلاثة مواقع معاً: 1- الإعلام العربي الواعي الملتزم بقضايا أمته. حيث يجب أن يوقع الأمة على طريق النهوض عبر حملات تنشيط عقلي مكثف. مقابل الإعلام الخائر المستسلم الانهزامي. 2- الدبلوماسية العربية. حيث يجب أن تكون هناك آليات عمل بعيداً عن الأطر التقليدية الرسمية. لتحقيق وحدة فكرية بين الدبلوماسيين العرب على مختلف الأصعدة لتنسيق الجهود في مجال حشد رأي عام عالمي مساند للقضايا العربية. 3- جامعة الدول العربية ومنظماتها المختلفة: حيث يجب أن تقاتل الجامعة من أجل إحياء روح المقاومة في النفسية العربية المنهارة. وقد سبق للجامعة أن حققت نجاحات جيدة يمكن استلهامها وتطويرها والاقتداء بها. وأقترح أن تكون هناك وسائل إعلام عربية تتوجه إلى الغرب لتحقيق هدفين: الأول: تصويب أفكار الغرب إزاء القضايا العربية ومواجهة التضليل الصهيوني. الثاني: توحيد كلمة الجاليات العربية والمسلمة في الدول الغربية حتى يصبح لها صوت فعّال في الانتخابات. وهو ما ترمز عليه الديمقراطيات الغربية وتعمل له ألف حساب وهذا ما يفعله الصهاينة. هل ما زال مع العرب أسلحة؟ يعتمد الصهاينة في قوتهم على عدد من الأسلحة الفعّالة التي يوجهون بها أصحاب القرار في واشنطن تجاه مصالح الدولة العبرية ومن هذه الأسلحة: 1- الصوت اليهودي في انتخابات الرئاسة. وذلك رغم قلة عدد اليهود لكن ما يجعلهم مصدر قوة هو حسن التنظيم. 2- السيطرة على وسائل الإعلام المؤثرة. 3- الصادرات الإسرائيلية إلى الغرب عامة وإلى واشنطن خاصة. 4- الادعاء بأنهم دولة ذات عروق غربية وثقافة رأسمالية. وفي المقابل: ماذا يملك العرب لكي ينهضوا من كبوتهم، ويمكنهم تحقيق توازن سياسي إزاء " فجور" إسرائيل والتهامها الأراضي العربية وإهلاك الحرث والنسل في فلسطين يوما بعد يوم؟ إن العرب شعوباً وأنظمة ما زال لديهم عديد من الأسلحة الإستراتيجية التي تمثل قوة ضغط يمكنها إعادة العدل إلى كفتي ميزان العدالة المائلتين جهة إسرائيل ومن هذه الأسلحة: 1- سلاح المقاطعة: إن حاجة إسرائيل إلى الأسواق العربية ظاهرة ويعبر عنها الصهاينة مرارًا وتكرارًا في تلهفهم على تطبيع العلاقات مع العرب، وتدعم واشنطن هذا التوجه الصهيوني باستمرار. وقد ظهر هذا التدعيم في إقامة المؤتمرات الاقتصادية في القاهرة والدوحة والدار البيضاء. تلك المؤتمرات التي شاركت فيها إسرائيل بفاعلية وسعت من خلالها إلى فتح قنوات اتصال وتبادل تجاري مع عدد من الدول العربية. وتفعيل سلاح المقاطعة [ الذي أقرته جامعة الدول العربية منذ عام 1948 وأنشئ لتفعيله وتنظيمه مكتب دائم في دمشق منذ العام 1951] ضروري في الوقت الراهن، ولو تم تفعيله لأمكن بسرعة وسهولة كبح جماح الثور الهائج في تل أبيب. واستطرادًا لهذا التوجه يمكن للأنظمة التفكير في تحجيم التبادل التجاري مع الدول الداعمة للكيان الصهيوني، فإن كان ذلك عسيراً على الأنظمة فيجب على الإعلام العربي أن يتوجه إلى الشعوب: صاحبة المصلحة من أجل رفع درجة الوعي بالمقاطعة الاقتصادية. وقد ظهر تأثير ذلك جزئياً في الأعوام القليلة الماضية حين قامت به الشعوب العربية وتضررت شركات كبرى غربية من المقاطعة. وبدأت تضغط على حكوماتها من أجل اتخاذ مواقف أكثر عدالة وإنسانية إزاء العرب. 2- إعادة النظر في التحالفات الإستراتيجية: إن في إمكان العرب أن يلجأوا إلى سلاح آخر فعّال لتحقيق مصالحهم عن طريق إعادة النظر في اعتبار الولايات المتحدة حليفاً استراتيجياًّ لمعظم الأنظمة العربية. مما كرَّس فكرة الإمبراطورية الأمريكية. ولو أمكن للعرب إقامة تحالفات قوية مع القوى الأكبر اعتدالاً لكان ذلك أضمن لمصالحها. فالمعروف عن أمريكا أنها تتخلى بسهولة عن أقرب أصدقائها إذا ما بدا لها أن هذا الصديق فقد بعض ما كان يملك. فقد تخلت عن باكستان في نهاية الحرب الباردة ثم عادت لها مضطرة حين احتاجت إليها في محاربة حركة طالبان. إن إعادة تقوية علاقات العرب مع الصين واليابان وألمانيا ومجموعة دول شرق آسيا، وإيران، وكوريا الشمالية. كل ذلك سوف يسبب قلقاً لواشنطن ويجبرها على اتخاذ مواقف عادلة. ومثل هذه التحالفات الجديدة لن تحقق فقط مكاسب اقتصادية وسياسية للعرب، ولكنها ستعيد التوازن إلى العلاقات السياسية الدولية وتغير فكرة القطبية التي تبنى عليها تلك العلاقات. وهنا نتذكر موقف جمال عبدالناصر حين أقر اتفاقية سلاح مع تشيكوسلوفاكيا عام 56/1957 بعد رفض واشنطن تسليح مصر. فقد كان لقرار تنويع مصادر السلاح المصري أثر مدوّ على المستوى الدولي آنذاك. 3- الجاليات العربية داخل أمريكا: يقدر عدد العرب داخل الولايات المتحدة بحوالي 3.7 مليون مقابل أقل من 6 ملايين يهودي. والواقع يشهد تبايناً واضحاً بين تأثير كل من الفريقين والأسباب منها: أ‌- أن الجالية اليهودية مرتبطة بإسرائيل متحمسة لقضاياها. ب –الجالية العربية تعاني من خلافات تمنع توحيدها جزئياً. إن الجاليات العربية في بعض الحالات مطاردة أو مهاجرة بين بلادها الأصلية لظروف قهر وقمع، ومن ثم فهي تستمتع بجو الحرية السائد في أمركيا، وتحاول أن تنسى كل ما يتصل بأصولها.!! ولكن أحداث " سبتمبر " أسهمت بشكل واضح في تنظيم الصوت العربي في أمريكا. فواشنطن لم تعد تميز [ على خلفية مفهومها عن الإرهاب ] بين عربي أمريكي وعربي من خارج أمريكا. وهذه نقطة إيجابية يمكن استغلالها من خلال الجمعيات والمؤسسات العربية في الولايات المتحدة من أجل العمل على توحيد صفوف العرب، ونبذ الخلافات القديمة، ومحاولة التأثير في مجتمعهم الجديد. وقد بدأ هذا التوجه مبكراً وقبل أحداث سبتمبر، ففي العام 2000م تشكلت " لجنة العمل السياسي العربي – الأمريكي " ومدَّت هذه اللجنة جسوراً للتعاون مع جورج بوش الابن الذي وعدهم آنذاك بإلغاء قانون [ الأدلة السرية ] المضاد للإرهاب الذي صدر عام 1996م بهدف ترحيل الأجانب الضالعين في أنشطة ترى الحكومة أنها إرهابية. وبعد نجاح بوش الابن اختير أمريكي من أصل عربي وهو السيناتور سبنسر أبراهام [ لبناني الأصل ] وزيراً للطاقة. كما اختير ميشيل داينلز [ السوري الأصل ] مديراً لمكتب إدارة الميزانية. ولو استمرت الجالية العربية في تقوية صفوفها، ولقيت دعماً من الأنظمة العربية والدبلوماسية العربية في أمريكا لأمكن لها تحقيق مكاسب سياسية أكثر وأكثر. 4- الأموال العربية تقدر الأموال العربية المستثمرة في الولايات المتحدة الأمريكية برقم اختلف فيه عدد من المفكرين المختصين، لكنها على أي حال تتأرجح بين 800 و900 مليار دولار. وهذا المبلغ يمثل الأموال السائلة المودعة في البنوك الأمريكية ولا يدخل ضمن هذا التقدير ما يملكه العرب من عقارات وشركات وأراض ومؤسسات. وهذه الأموال الضخمة تمثل مصدر قوة للاقتصاد الأمريكي. ومصدر ضعف للاقتصاد العربي. فالولايات المتحدة تستطيع تجميد هذه الأرصدة متى شاءت، كما حدث عندما تم تجميد أموال الكويت عقب غزو صدام للكويت. ثم أفرج عنها بعد ذلك لتمويل عملية تحرير الكويت. وكما حدث عندما تم تجميد أموال ليبيا والعراق في حالات مماثلة. ولو استطاع العرب سحب أقساط من ودائعهم تلك تدريجياً واستثمارها في بلاد عربية بها مؤهلات للاستثمار مثل السودان وغيرها لأمكن لهذا الإجراء أن يسبب صراعاً عنيفاً للرئيس الأمريكي الهائم في هوى تل أبيب!! مما سبق، نستطيع أن نتفاءل بأن العرب، شعوباً أو أنظمة، لديهم، إذا شاءوا، مصادر قوة ذاتية عديدة ولكنها معطلة. ولو شاءوا - على مستوى الشعوب على الأقل - لأعادوا تفعيل سلاح المقاطعة ولكان لهذا كله أثر بالغ في تصحيح مسار القرار الأمريكي الغربي المتحالف مع الصهاينة على طول الخط. فهل يتضامن معي القراء في تشجيع دعوة مقاطعة كل السلع القادمة من بلاد معادية لنا؟؟؟ ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.