15 نوفمبر 2025
تسجيللماذا رحلت سريعًا؟ لماذا زرعت موسمًا للحزن.. وأنت الذي كنت تزرع عبر حياتك الممتدة عبر هذه السنوات بساتين للفرح.. هل كان الزائر الغريب على موعد معك؟ كانت ملامح الإعياء بادية على محياك.. وأنت تكابر.. قبل قدوم شهر رمضان من هذا العام، وكعادتك جمَّعت الأحبة والمريدين من خلصائك في بيتك العامر دومًا بالحب.. كان سؤالي.. وكان هروبك من الإجابة.. فقط وضعت النقاط على الحروف بأنك سوف تسافر إلى مدينة تعشقها.. إلى قاهرتك برفقة محمد مفتاح.. وصمت.. كانت القاهرة الساحرة.. دومًا ذاكرتنا الجمعية.. مدينة لن تنام.. وأعود إلى الوراء سنوات وسنوات.. أيام الدراسة بصحبة المرحوم محمد الساعي وزميل الدراسة محمد رشيد.. وليالي أحمد قاسم ولطفي بوشناق.. وذاكرة الموسيقى والغناء حيث الأساتذة علي عيسى ذلك الإعلامي المتميز وجدي الحكيم، صلاح عرام وعشرات الأسماء.. بجانب رفقاء الدرب من أبناء المنطقة الفنان إبراهيم حبيب، أحمد الجميري، محمد علي عبد الله، يوسف المهنا. كانت القاهرة، المدينة، والحب، وبئر الذكريات التي شكلت جزءًا من كيانك المرهف.. لم تستطع البعد عنها.. وعندما نلتقي على انفراد كنا نجتر ذكريات الزمن الجميل في مدينة نعشقها معًا. ولكن الزائر الغريب استعجل الحضور ودون موعد.. ولكن فجأة اختطفك منا.. آه أيها الراحل الجليل.. يا من شملت مزاياه كل مفردات اللغة ويا من رسمت في ذاكرة كل من عرفك لوحات إبداعية قوامها الحب.. الحب في المطلق، والكرم في المطلق والإيثار بلا حدود.. والتواضع الجم.. والموهبة الخارقة.. والثقافة في شمولية الكلمة.. والتجديد في كل لحن من إبداعاتك.. برحيلك أصبحنا يتامى.. فأنت الصحبة الجميلة.. وأنت الموسيقي الموسوعي الذي بمقدوره أن ينبش في ذاكرة أي موضوع.. مناقشات في إطار اللغة مع صديق عمرك اللغوي عبد الله الجابر.. مناوشات في إطار الموسيقى مع الدكتور حسن النعمة، نبش في علوم الدين والسيرة، عودة إلى تاريخ الغناء العربي.. كان منزلك صالونًا أدبيًا ثقافيًا فنيًا بامتياز.. والرفقاء لا يملون من صحبتك.. جاسم الهيدوس، خالد عبيدان، ناصر الجابر، محمد مفتاح وعشرات الأسماء بجانب رجال الصحافة والإعلام.. ألم أقل إنك حالة إبداعية قطرية.. كيف لا.. وقد حملت منذ صباك البكر حلمك.. وحققت رغم الصعوبات ما كنت تحلم به؟! ومن خلال تلك الحكايا والأهازيج القديمة.. قدمت بطاقة التعارف إلى الآخرين.. عبد العزيز ناصر. وثرى هذا الوطن علاقة خاصة ومن ثم فإن مركز الكون.. الجسرة.. بشوارعها وبيوتها.. ومازلت حتى الآن تحتفظ في بيتك بلوحة تمثل بابًا خشبيًا قديمًا رسمه المبدع الآخر جاسم زيني تضم صورة لواحد من الرجالات العائلة... عبد العزيز ناصر. أيها الراحل الجليل.. كما كررت وقلت من أين أبدأ؟ فرحلتنا تمتد في عمر الزمن إلى نصف قرن.. هنا وهناك.. ولكن ماذا ميّز هذا الطفل عن أقرانه؟ ما الذي جعله يرتمي في أحضان الفن؟ سوى ذاكرة الجدات والعمات وحكاياهم في ليالي الشتاء والمرازيم تنهمر بمياه المطر.. أو لفحات حر الصيف وافتراش الحوش أو الأسطح وسرد الحكايات والأهازيج التي لا تنتهي.. من هنا تحرك قطار الإبداع في ذاكرتك ولم تتوقف عند مرحلة.