16 نوفمبر 2025

تسجيل

كان هدوؤه غريباً

07 مارس 2012

كان هدوؤه غريباً.. ممزوجاً بالارتباك.. ولكنها كانت ذكية بما يكفي لتدرك أن هناك شيئا ما.. مخيفا.. فقد حفظته أكثر مما تحفظ نفسها لأنه زوجها وأبو أبنائها، ولأنه الحب الوحيد الذي عرفه قلبها.. جلست في إنصات تزينه ابتسامة رمادية محاولة كبت شعورها بالقلق.. بلا مقدمات قال: أنتِ أم أولادي، وأقدر لكِ كل شيء فعلته من أجلي، ولكني أود الانفصال.. عقلها تخيل كل الأمور السيئة التي من الممكن ان تخطر في بال بشر، ولكن كان الطلاق الشيء الوحيد الذي لم تفكر به، لأنه لا سبب مقنعا له، سوى تجديد الحياة! قالت والذهول يخيم عليها: لماذا؟! أجاب بجدية: لا يوجد سبب سوى أنني أريد أن أتزوج بأخرى وهي اشترطت طلاقك.. هل هناك أذى لامرأة في العالم أكبر من هذا!، هل هناك جرح أعمق من هذا لأنثى!، هل هناك خيانة للعشرة أكبر من هذا!، لا.. أجابت بكبرياء الأنثى القوية التي ناضلت سنوات لتصنع عائلة سعيدة، وبصعوبة والألم يعصر قلبها ولسانها، وكل جزء في روحها: إن كان هذا ما تريده فهو لك، لا أستطيع أن أبقى مع رجل لا يريدني، مع رجل باعاني بأرخص الأثمان، ولكن ماذا عن أبنائنا؟! أجاب: لن يتغير شيء، سأقدم لكِ ولهم كل شيء.. ابتسمت: مادياً! أجاب بثقة: نعم ومن نواحٍ أخرى. كانت تعلم أنه لن يفي بوعده مهما حاول، فوجود إمرأة أخرى سيسرقه عن أبنائه وعن رعايته الكاملة، لهم ومع ذلك، قالت: لك ما تشاء. هكذا انتهت إحدى قصص الطلاق في مجتمعنا، التي تتكرر دائماً بأسباب وبدون أسباب.. كانت أم عبدالله قوية، قررت أن لا تنكسر، وألا تسمح لخيبة زواج أن تهدم كينونتها كامرأة، التحقت بوظيفة تحقق لها ذاتها المجتمعية، وأكملت دراستها الجامعية، وهاهي الآن في السنة الثالثة. برغم تلك القوة وتلك الإرادة المتفردة، إلا أنني كنت ألمح الحزن في عينيها كلما التقيتها، كنت التقطه من صمتها، من ابتساماتها، من أحاديثها وآهاتها، هي مازالت تحبه، مازال أول رجل كسر خريطة أحلامها، ولكن هذا هو الواقع، هي إمرأة مطلقة الآن، وآخر ما تفكر فيه أن ترتبط من جديد برجل آخر يتعسها، أو يؤذي أبناءها، ويحول قصتها إلى نسخة أخرى من مسلسل التعاسة والطلاق في حال عدم التوافق وإيجاد السعادة، فالزواج في مجتمعاتنا الخليجية مرهون بلعبة (البطيخة) يا حمرا يا بيضا!!، فأهل الشباب يمنونه بمواصفات فتاة خارقة، وأهل الفتاة يمنونها بأنه الرجل المناسب، بناء على كل الإيجابيات المتوفرة، وعند بدء العشرة تظهر التناقضات والاختلافات وتبدأ التعقيدات، إلا فيما قل من النجاحات والتوافق، إذ أن التوافق ليس له نسب واضحة لاختلاف الأرواح والعقول، ولا أحد يستطيع أن يضمن النجاح مهما وجد الأسباب. كنت ومازلت أؤمن بأن الانفصال المبكر أفضل من الانفصال بعد سنوات طويلة، لما سيخلفه من نتائج أكبر، مع زيادة عدد الأبناء، لأن الضرر بالدرجة الأولى يقع عليهم، فهم من سيدفع الثمن في النهاية أكثر من الطرفين الآخرين، قد يبدأ الرجل نفسه من جديد لسهولة هذا عليه، ولكن ماذا عن الأم؟! هي من ستدفع عمرها الباقي تعيسة وحيدة موصومة بتهمة الانفصال! والنتيجة جيل آخر، سيكرر نفس السيناريو وربما بذات التفاصيل. قبل أن أغلق نافذة هذا الصباح.. لا أحد منا يستطيع ضمان شيء في هذه الحياة، ولكنه يملك القدرة على الاختيار الأفضل، والقرار الأجدر بالاتخاذ، التضحيات ضرورية إذا كانت الأضلاع كثيرة، ولكن من منا يستطيع إدراك هذا قبل فوات الأوان، هل سألتم أنفسكم هذا السؤال قبلاً.. ربما..