05 نوفمبر 2025

تسجيل

اللبنانيون يريدون إسقاط نظام غير موجود

06 سبتمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لا أحد كان يتصور أن تظاهرة الأهالي في قرى درعا بسوريا الذين طالبوا بمحاسبة المسؤولين عن تعذيب أبنائهم يمكن أن تتحول إلى ثورة شعبية تشمل كل الأراضي السورية. فالدولة الأمنية القمعية راسخة وثابتة ومتجذرة منذ عقود، ومن المستحيل اقتلاعها أو حتى هزّها. لكن حصل ما لم يكن يخطر ببال، فقد أعمى الله بصيرة نظام الأسد، ورفض محاسبة المسؤولين عن أحداث درعا، وعوض معالجة المشكلة أسهم في تفاقمها، فتعاظم الحنق والغضب، وانتقلت عدواه إلى بقية المناطق، ووصل إلى أن ثلثي الأراضي السورية باتت اليوم خارج سيطرة النظام، وكل التقديرات تشير إلى أن النظام زائل لا محالة. ما ينطبق على سوريا انطبق على دول الربيع العربي الأخرى، فالأنظمة الجائرة نجحت في زرع جذورها وفسادها وقبضتها الأمنية في كل مكان، وعلى كل الناس. والمنطق الطبيعي والعقل السليم وموازين القوى والظروف الإقليمية والدولية، كل ذلك كان يشير إلى استحالة اهتزاز أنظمة الحكم هذه أو التأثير بها، فكيف باقتلاعها والإطاحة بها. لكن إرادة رب العباد كانت مختلفة، فيسّر الله رجالاً تظاهروا ورفعوا الصوت وكسروا جدار الخوف، وتوسعت دائرة الغضب، وما كان مستحيلاً صار واقعاً، فتمت الإطاحة بأنظمة بثّت على مدى عقود رعبها بين الناس. التحركات الشعبية التي يشهدها لبنان منذ أسابيع شبيهة بالتي شهدتها دول الربيع العربي. ورغم التركيبة المعقدة للدولة اللبنانية، فإنها حتماً لن تكون أكثر تعقيداً وصلابة من أنظمة الحكم التي تمت الإطاحة بها في مصر وتونس واليمن وليبيا وقريباً –بإذن الله- سوريا. فمن حيث الشكل يبدو قيام ثورة شعبية في لبنان تطيح بالنظام أكثر سهولة ويسر من تلك التي شهدتها دول الربيع العربي. فالنظام في لبنان يكاد يكون غير موجود، فهو دون ثورة مهتز ومفكك ومقطع الأوصال ومكبّل اليدين وعاجز عن الفعل، فكيف بثورة تسعى للإطاحة به؟! فالمشكلة في لبنان –بخلاف ما ينادي به المتظاهرون مؤخراً- ليست بنظام الحكم الذي يكاد ينهار دون أن يقترب منه أحد، المشكلة بطبقة سياسية فاسدة، وزعامات طائفية نجحت كل واحدة منها في بناء نظام حكم خاص بها ضمن طائفتها، وهي تتشارك مع الزعامات الطائفية الأخرى المكاسب والمغانم على هذه الأرض التي أطلق عليها اسم لبنان. ربما يكون بإمكان ثورة شعبية أن تقيل وزيراً، أو تطيح بحكومة، أو تُسقط رئيساً، لكن ذلك لن يغيّر من واقع اللبنانيين شيئاً، طالما أن النظام الطائفي مازال قائماً، وطالما أن الزعامات السياسية تتحكم برقاب العباد. في كل ثورات الربيع العربي كانت "الحرية" هي المطلب الأساسي الذي تحركت من أجلها الشعوب. بينما في لبنان الحرية متاحة، وموازين القوى التي تفرزها الانتخابات هي حقيقية وواقعية إلى حد كبير. فلا أحد يشكك بصدقية وشفافية الانتخابات في لبنان، رغم أن الطبقة السياسية حريصة على احتكار تمثيل طوائفها، وعدم السماح لآخرين لمشاركتها هذا التمثيل، لكن ذلك لا يعني أن زعماء الطوائف وصلوا إلى كراسيهم بالتزوير أو القهر أو الخوف، بل بتأييد الناس وثقتهم، وهم الممثلون الحقيقيون لغالبية أبناء طوائفهم. ومن المعروف أن الانتخابات إذا حصلت اليوم فإنها ستفرز الطبقة السياسية نفسها مع تغييرات طفيفة لا تشكل تغييراً جوهرياً في المشهد السياسي العام. بماذا ستطالب الثورة في لبنان إذا أطاحت بالنظام المتداعي، طالما أن اللبنانيين راضون بفساد زعمائهم، وتكيّفوا مع هذا الفساد وتعايشوا معه، بل يصرون على منح الزعماء الفاسدين أصواتهم وثقتهم وتأييدهم وتصفيقهم، ولا يرضون بديلاً عنهم. مشكلة اللبنانيين أنهم تحوّلوا لمواطنين آليين، يؤيدون الزعيم دون إدراك أو تفكير، أياً كان هذا الزعيم ومهما كان طالما أنه يمثل طائفتهم، حتى ولو ورّث زعامته وفساده لابنه وحفيده وأقربائه، ولو كان لا يستطيع التمييز بين الألف والعصى. مشكلة اللبنانيين أنهم لا يعبأون بمصالحهم وهمومهم ومآسيهم، بقدر ما يعبأون بمصالح الزعيم ومكاسبه. كي تنجح الثورة في لبنان وتحقق نتائجها يجب أن تبدأ من نفوس اللبنانيين وعقولهم، قبل أن تبدأ بالثورة على النظام. فإسقاط النظام دون إسقاط الذهنية الطائفية، ستفرز على الأرجح طبقية سياسية شبيهة بتلك القائمة، وربما تكون أكثر فساداً.