17 نوفمبر 2025
تسجيللا أزعم في ختام هذه السلسلة من المقالات عن الجامعة، أني طرحت كل القضايا، لكنها محاولة تُضاف إلى محاولات آخرين أدلوا بدلوهم في كل ما من شأنه أن يدفع بالجامعة لتكون هي الحاضنة الأساسية للمواطنين، تقوم على صناعتهم بالصورة التي يتمناها المجتمع أن يرى أبناءه، متعلمين ناضجين واعين، متطلعين إلى أداء أدوارهم المنشودة في نهضة البلاد، التي لم تبخل على أبنائها بشيء، وتنتظر الكثير منهم.. وللجامعة دورها الكبير والمهم في هذا السياق. يبدأ دور الجامعة كما أسلفنا، بحملات التوجيه والإرشاد لطلاب وطالبات الثانوية، وتحفيزهم للالتحاق بها وتيسير سبل ذلك وعدم الانخراط في سوق العمل مبكراً.. وهذا يتطلب منها أولاً عدم المبالغة في رفع نسب القبول، ولتكن معقولة تتراوح ما بين 60 إلى %70 بحسب الكليات، والتركيز على نتائج المواد العلمية والأدبية، بدلاً من النسبة الكلية لأجل توجيه الطالب نحو التخصص المتناسب والمتوافق مع قدراته. إلغاء شرط اجتياز اختبارات اللغة الإنجليزية كالتوفل والآيلز ثانياً، باعتبار أن لغة التعليم الرسمية بالجامعة هي العربية، أو هكذا يجب أن تكون، شأنها شأن أي جامعة وطنية أخرى بالعالم تدرس العلوم بلغاتها، ذلك أن العلوم لا يمكن استيعابها تمام الاستيعاب إلا باللغة الأم للطالب، مهما كان بارعاً في لغة أخرى.. وأن تجربة تعجيم العلوم في غير مكان بالعالم العربي غير ناجحة وقد آن الأوان لتعريبها، شأننا شأن اليابان والدولة العبرية وبولندا واليونان والصين وفرنسا وغيرهم كثير، ممن تيقنوا قبلنا أن اللغة الأم هي الأجدر أن تكون لغة علم ولسان تعليم في مدارسها وجامعاتها.. وطالما الحديث في سياق اللغة، فمن المهم أن تكون الدراسات العليا بالجامعة بالعربية أيضاً، إذ غالبية برامجها الآن وفي كثير من التخصصات تُدرس بالإنجليزية، وسيكون مفهوماً بعض الشيء لبرامج الماجستير والدكتوراه في آداب اللغة الإنجليزية، ولكن غير ذلك سيكون غريباً وغير مقبول. لم لا تتم إعادة صرف الحوافز والمكافآت الشهرية للمواطنين، كما كان قديماً، كنقطة ثالثة، باعتبار أن الطالب حديث التخرج من الثانوية سيكون متطلعاً لبعض الشعور بالاعتماد على النفس عبر الاستقلال المالي الجزئي عن عائلته، وأحسبُ أن المكافأة الشهرية المجزية يمكنها تفعيل ذلك، أسوة ببرامج التبني والرعاية التي تقوم بها المؤسسات والشركات للطلاب، وستتميز الجامعة في هذا بأن طلابها غير المنتمين لتلك البرامج، سيكونون أحراراً في قرار اختيار جهة العمل مستقبلاً، على عكس برامج الرعاية تلك، وهذه ستكون ميزة تدفع بالطلاب إلى الالتحاق بالجامعة دون ضغوط الجهة الراعية له. بعد الالتحاق تبدأ الجامعة كنقطة رابعة، في تفعيل برامج دقيقة للمتابعة، مهمتها متابعة الطالب أكاديمياً ونفسياً.. تقدم له كل دعم ورعاية وتوجيه، فصلاً بفصل، لا يُترك ليتخبط في اختيار المسار أو اختيار المواد، خاصة في السنة الأولى، حيث يحتاج لكثير من الرعاية والمتابعة، فهي السنة الكبيسة للمبتدئ، التي على إثرها يقرر، إما الاستمرار أو الارتحال. جميل أن يتم ضمن هذا السياق، تشكيل مجموعات من الطلبة المميزين أكاديمياً، تكون مهمتهم، وفق ترتيب وتنسيق معين، مساعدة أقرانهم ممن بحاجة إلى دعم أكاديمي، فتعليم الأقران أثبت صلاحية وفائدة، وإعانة للأساتذة في مهامهم.. وضمن هذا السياق أيضاً، يجب التنبه للطالب عند أول خطوات التعثر، ليتم تقديم المساعدة والتوجيه مبكراً وعدم الاعتماد على الإنذارات الإلكترونية المتتابعة ثم مفاجأته بالفصل من الدراسة أو تجميد قيده، دون بذل كل الأسباب المؤدية إلى عدم التعثر. بعد عامين من الاستمرار تقريباً وكنقطة خامسة أخيرة، وبناء على المتابعة الدقيقة للطالب، سيكون سهلاً معرفة قدراته واتجاهاته في المجال، فيتم على إثر ذلك توجيهه بالاستمرار أو التعديل، ويمكن كذلك عبر برامج المتابعة، تمييز النوابغ والمبدعين أكاديمياً ومثلهم من المهرة مهنياً، بحيث تتم متابعة الفريق الأول لتوجيه أفراده نحو متابعة تعليمهم العالي نحو الماجستير والدكتوراه، فيما الفريق الثاني يتم إنتاج برامج مهنية متخصصة لأفراده خلال السنة الأخيرة، كي يتخرج أحدهم من تخصصه وهو يلم بتفاصيل ومهارات كثيرة، يدخل بها سوق العمل فوراً دون كثير إعداد وتأهيل، كبرامج إعداد محاسبين، مدققين ماليين، محامين، ممرضين ومهن إدارية أخرى عديدة. ختاماً، ولأن المجال لا يتسع للمواصلة، نريد أن نرى جامعة قطر، جامعة وطنية قولاً وفعلاً. تأخذ بيد الشاب القطري والشابة القطرية ومن الثانوية، لكي تصنعهم على عينها. لا تترك أحدهم إلا وقد خرج متعلماً ناضجاً مفتخراً بنفسه، ومتطلعاً لخدمة بلده على الفور، إلا من أبى هذا الطريق، وقليل ما هم.. وهذا هو لب حديثنا الطويل، الذي لا أريد من ورائه جزاء ولا شكورا. وفقنا الله وإياكم جميعاً والإدارة الجديدة للجامعة إلى ما فيه خير البلاد والعباد.