10 نوفمبر 2025
تسجيلبسم الله الرحمن الرحيم نصل اليوم إلى خواتيم سورة الحجرات ونتوقف مع قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (14) (قالت الأعراب آمنا) نزلت في نفر من بني أسد قدموا المدينة في سنة جدب فأظهروا الشهادتين وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان يريدون الصدقة ويمنون عليه الصلاة والسلام ما فعلوا (قل) ردا لهم (لم تؤمنوا) إذ الإيمان هو التصديق المقارن للثقة وطمأنينة القلب ولم يحصل لكم ذلك وإلا لما مننتم على ما ذكرتم كما ينبئ عنه آخر السورة (ولكن قولوا أسلمنا) فإن الإسلام انقياد ودخول في السلم وإظهار الشهادة وترك المحاربة مشعر به وإيثار ما عليه النظم الكريم على أن يقال إلا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا أولم تؤمنوا ولكن أسلمتم للاحتراز من النهي عن التلفظ بالإيمان وللتفادي عن إخراج قولهم مخرج التسليم والاعتداد به مع كونه تقولا محضا (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) حال من ضمير قولوا أي ولكن قولوا أسلمنا حال عدم مواطأة قلوبكم لألسنتكم وما في لما من معنى التوقع مشعر بأن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد (وإن تطيعوا الله ورسوله) بالإخلاص وترك النفاق (لا يلتكم من أعمالكم) لا ينقصكم (شيئا) من أجورها من لات يليت ليتا إذا نقص أو شيئا من النقص (إن الله غفور) لما فرط من المطيعين (رحيم) بالتفضل عليهم. • قوله تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) (15) (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) لم يشكو من ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة وفيه إشارة إلى أن فيهم ما يوجب نفي الإيمان عنهم وثم للإشعار بأن اشتراط عدم الارتياب في اعتبار الإيمان ليس في حال إنشائه فقط بل وفيما يستقبل فهي كما في قوله تعالى ثم استقاموا (وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله) في طاعته على تكثر فنونها من العبادات البدنية المحضة والمالية الصرفة والمشتملة عليها معا كالحج والجهاد (أولئك) الموصوفون بما ذكر من الأوصاف الجميلة (هم الصادقون) أي الذين صدقوا في دعوى الإيمان لا غيرهم - روى أنه لما نزلت الآية جاءوا وحلفوا أنهم مؤمنون صادقون فنزل لتكذيبهم • قوله تعالى (قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم)(16) (قل أتعلمون الله بدينكم) أي أتخبرونه بذلك بقولكم آمنا والتعبير عنه بالتعليم لغاية تشنيعهم (والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض) حال مؤكدة لتشنيعهم وقوله تعالى (والله بكل شيء عليم) تذييل مقرر لما قبله أي مبالغ في العلم بجميع الأشياء التي من جملتها ما أخفوه من الكفر عند إظهارهم الإيمان وفيه مزيد تجهيل وتوبيخ لهم. • قوله تعالى (يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين)(17) (يمنون عليك أن أسلموا) أي يعدون إسلامهم منة عليك وهي النعمة التي لا يطلب موليها ثوابا بمن أنعم بها عليه من المن بمعنى القطع لأن المقصود بها قطع حاجته وقيل النعمة الثقيلة من المن (قل لا تمنوا علي إسلامكم) أي لا تعدوا إسلامكم منة علي أو لا تمنوا علي بإسلامكم فنصب بنزع الخافض (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) على ما زعمتم مع أن الهداية لا تستلزم الاهتداء وقرئ أن هداكم وإذ هداكم (إن كنتم صادقين) في ادعاء الإيمان وجوابه بحذوف يدل عليه ما قبله أي فلله المنة عليكم وفي سياق النظم الكريم من اللطف ما لا يخفي فإنهم لما سموا ما صدر عنهم إيمانا ومنوا به فنفى كونه إيمانا وسمي إسلاما قيل يمنون عليك بما هو في الحقيقة إسلام وليس بجدير بالمن بل لو صح ادعائهم للإيمان فلله المنة عليهم بالهداية إليه لا هم. • قوله تعالى (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض والله بصير بما تعملون) (18) (إن الله يعلم غيب السماوات والأرض) أي ما غاب فيهما (والله بصير بما تعملون) في سركم وعلانيتكم فكيف يخفي عليه ما في ضمائركم وقرئ بالياء (عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الحجرات أعطي من الأجر بعدد من أطاع الله وعصاه.) والحمد لله رب العالمين